بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم لك الحمد حمد الشاكرين، وصل وسلم على حبيبك وخيرة خلقك النبيّ المصطفى محمد وعلى آله الطاهرين.
إخوة الإيمان في كلّ مكان السلام عليكم وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم وحلقة جديدة من برنامج نهج الحياة لنتابع وإياكم تفسير سورة الأنفال المباركة.
من أجل ذلك ننصت أولاً لهذه التلاوة العطرة للآية الرابعة والثلاثين من السورة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام .... لا يعلمون.
"وما لهم ألا يعذبهم الله" معناه: ولم لا يعذبهم الله ؤاي أمر يوجب ترك تعذيبهم "يعني طواغيت قريش وهم يصدون عن المسجد الحرام" أي: يمنعون عن المسجد الحرام أولياءه فحذف لأن ما بعده يدل عليه "وما كانوا أولياءه" أي: وما كان المشركون أولياء المسجد الحرام وان سعوا في عمارته "إن أولياؤه إلا المنتون ولكن اكثرهم لا يعلمون" معناه: وما أولياء المسجد الحرام إلا المتقون. وقيل: وما كانوا أولياء الله إن أولياء الله إلا المتقون الذين يتركون معاصي الله ويجتنبونها الأول أحسن ويسأل فيقال كيف يجمع بين الآيتين وفي الاولى "وما كان الله ليعذبهم" وفي الثانية إثبات ذلك وجوابه على ثلاثة أوجه الاول: المراد بالاول عذاب الإصطلام والإستئصال كما فعل بالامم الماضية وبالثاني عذاب القتل بالسيف والأسر وغير ذلك بعد خروج المؤمنين من بينهم والآخر، انه اراد وما لهم ان لا يعذبهم الله وفي الآخرة ويريد بالأول عذاب الدنيا. والثالث، ان الاول إستدعاء للإستغفار.
يريد أنه لا يعذبهم بعذاب دنيا ولا آخرة إذا إستغفروا وتابوا. فإذا لم يفعلوا ثم بين أن إستحقاقهم العذاب بصدهم الناس عن المسجد الحرام.
من هذه الآية، تعلمنا:
- إن عذاباً الهياً هو جزاء من يصد المؤمنين عن البيت الحرام. (مصداق هذه الآية كيان الإحتلال الصهيوني الذي باستحواذه على المسجد الاقصى- يحول دون دخول المسلمين فيه.)
- أولياء المسجد الحرام وبيوت الله ما هم إلا المؤمنون المتقون، لا المشركون وغير المؤهلون.
والآن نشنف السمع ولو لحظات مع هذه التلاوة العطرة للآية الخامسة والثلاثين من سورة الأنفال المباركة:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاءً وتصدية....
تعقيباً للآية المار ذكرها- يبين سبحانه في هذه الآية، دلائل عدم أهلية ولاة المسجد الحرام في زمن الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله. ويقول واصفاً صلاتهم "وما كان صلاتهم عند البيت" يعني: هؤلاء المشركين الصادين عن المسجد الحرام "إلا مكاءً وتصدية" كانت قريش تطوف بالبيت عراة يصفرون يصفقون وصلاتهم معناها دعاؤهم.
أي: يقيمون المكاء والتصدية مكان الدعاء والتسبيح. وقيل: أراد ليس لهم صلاة ولاعبادة وإنما يحصل منهم ما هو ضرب من اللهو واللعب. فالمسلمون الذين يطيعون الله ويعبدونه عند هذا البيت أحق بمنع المشركين منه. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذ اصلى في المسجد الحرام قام رجلان من بني عبد الدار عن يمينه فيصفران ورجلان عن يساره يصفقان بأيديهما فيخلطان عليه صلاته فقتلهم الله جمعياً ببدر ولهم يقول ولبقية عبد الدار "فذوقوا العذاب" يعني: عذاب السيف يوم بدر، وقيل: عذاب الآخرة. وعلى هذا يكون في الكلام حذف، أي: يقال لهم إذا عذبوا ذوقوا العذاب "بما كنتم تكفرون" بتوحيد الله.
علمتنا الآية :
- عرضت الطقوس الدينية على –مدى التاريخ- للتحريف، أو لفقت ببعض الخرافات.
- لانتهاك حرمة المقدسات- عذاب الله الأليم
والآن نستمع للآية السادسة والثلاثين من سورة الانفال المباركة:
إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله...
قيل نزلت الآية في أبي سفيان بن حرب إستأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش يقاتل بهم النبي صلى الله عليه وآله سوى من استجاشهم من العرب. وقيل نزلت في المطعمين يوم بدر وكانوا إثني عشر رجلاً من قريش.
ثم ذكر سبحانه إنفاق المشركين أموالهم في معصية الله تعالى، فقال: "إن الذين كفروا ينفقون أموالهم" في قتال الرسول والمؤمنين "ليصدوا عن سبيل الله" أي: ليمنعوا بذلك الناس عن دين الله "فسينفقونها" أي: فسيقع منهم الانفاق لها "ثم تكون عليهم حسرة" أي: ثم ينكشف لهم ويظهر من ذلك الإنفاق ما يكون حسرة عليهم من حيث أنهم لا ينتفعون بذلك الإنفاق لا في الدنيا ولا في الآخرة بل يكون وبالاً عليهم "ثم يغلبون" في الحرب، أي: يغلبهم المؤمنون. وفي هذا دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وآله لأنه أخبر بالشيء قبل كونه فوجد ما اخبربه "والذين كفروا إلى جهنم يحشرون" أي: يجمعون إلى النار بعد تحسرهم في الدنيا ووقوع الظفر بهم وقتلهم وإنما أعاد قوله والذين كفروا لأن جماعة ممن ألفقوا أسلموا بعد. فخص منهم من مات على كفره بوعيد الآخرة.
أفهمتنا الآية:
- لا تظنن ان الكفار كفوا عن عدائهم وان كانوا كما يبدو لا يقومون بعمل ضدكم –ففي الحقيقة- انهم يوظفون الكثير من الاموال للقضاء على الإسلام والمسلمين.
- يتطلع المؤمنون إلى الغد ويستبشرون به خيراً –لأن الكفر زائل ومقهور- مهما عظم أوكبر.
والآن نبقى مع هذه التلاوة العطرة للآية السابعة والثلاثين من سورة الأنفال المباركة:
ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض....
"ليميز الله الخبيث من الطبب" أي: ليميز سبحانه نفقة الكافرين من نفقة المؤمنين" ويجعل الخبيث بعضه على بعض" ويجعل نفقة المشركين بعضها فوق بعض "فيركمه" أي: فيجمعه "جميعاً" في الآخرة "فيجعله في جهنم" فيعاقبهم به كما قال يوم يحمى عليها في نار جهنم. وقيل: معناه ليميز الله الكافر من المؤمن في الدنيا بالغلبة والنصر والأسماء الحسنة والأحكام المخصوصة وفي الآخرة بالثواب والجنة. وقيل: بأن يجعل الكافر في جهنم والمؤمن في الجنة ويجعل الخبيث بعضه على بعض في جهنم يضيقها عليهم فيركمه جميعاً، أي: يجمع الخبيث حتى يصير كالسحاب المركوم بأن يكون بعضهم فوق بعض في النار مجتمعين فيها فيجعله في جهنم، أي: فيدخله جهم "أولئك هم الخاسرون" قد خسروا أنفسهم لأنهم اشتروا بانفساق الأموال في المعصية عذاب الله في الآخرة.
دلتنا الآية على أن:
- الفصل بين دعاة الحق ودعاة الباطل من سنن الله ليعرف به باطن الانسان ويكشف عن حقيقة أمره.
- الركم ومنه التراكم، هو التراكب- ضيق المكان وما يترتب عنه من ضغوط- من خصوصيات جهنم وأصحاب النار.
مستمعينا الاكارم، انتهت هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة نستودعكم الله والسلام عليكم.