بسم الله الرحمن الرحيم اعزائي المستمعين السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. اهلاً بكم ايها الاكارم مع حلقة جديدة من برنامج نهج الحياة ونبدؤها بتلاوة عطرة للآيتين 98 و99 من سورة المائدة، فلننصت اليها خاشعين:
اعلموا ان الله ........... وما تكتمون
ان بعض الناس يظنون ان التكاليف التي وضحها الرسول لهم، سواء حول مناسك الحج او غيرها من الشؤون الدينية، ظنوا ان الرسول قد شرعها لهم ووضع لها ما يشاء من الثواب والعقاب. فهذه الآية ترد على هذه الاوهام وتقول: اولاً ان النبي مبلغ لهذه الاحكام من قبل الله سبحانه وتعالى وما كان له ان ينقص منها او يزيد فيها. وثانياً ان الثواب والعقاب بيد الله فقط ولا دخل للنبي فيها، وان الله يثيب كل من يعمل بما كلفه ويعاقب كل من يعصيه، فالتكاليف وجزاءها من الله عزوجل ويقتصر دور الرسول على التبليغ.
بالاضافة الى ان الرسول لا يجبر الناس حتى يكونوا مؤمنين، ولم يجبر احداً ليتبع ارشاداته ويطبقها، لان الايمان امرٌ قلبي ولا يعلم ما في القلوب إلاّ الله سبحانه وتعالى فهو يعلم بمن يبطن الايمان ومن يبطن الكفر ويدّعي الايمان.
من هاتين الآيتين نستنتج:
- يجب ان يكون المؤمن دائماً بين الخوف والرجاء، الخوف من العقاب على سيئاته والرجاء برحمة الله ومغفرته.
- إن واجب النبي (ص) ابلاغ الدين وليس إجبارهم على اعتناقه.
- السر والعلانية سواء عند الله اذن فلا فائدة من النفاق والرياء والتظاهر.
والآن ايها الافاضل سننصت خاشعين الى الآية 100 من سورة المائدة لنستعرض بعد ذلك تفسيرها:
قل لا يستوي ................ تفلحون
من الامور التي تبعث على ضعف وتزلزل عقيدة بعض المؤمنين كثرة الكافرين وقلة المؤمنين على مدى التاريخ، وهذه الآية تخاطب الرسول (ص) وتوضح ان الاكثرية ليست دليلاً على الاحقية، فان كانت اكثرية المجتمع قد خالفت الانبياء والاديان التي جاءوا بها فهذا ليس دليلاً على بكلان صحة هذه الاديان، فالحق هو الذي يتنزل من الله سبحانه وتعالى ويدرك العقل البشري حسنه، لذا فان الله عزوجل في نهاية هذه الآية يخاطب العقلاء واولي الالباب بما معناه:
ان اردتم نيل السعادة، فعليكم التمسك بحبل الله وبما انزل من عنده وتجعلونه اساس الحق والباطل لانه لا يتساوى القبح والجمال، والرجس والطاهر والشر والخير وإن كان اكثر الناس يميلون الى الاعمال القبيحة فهل يمكن ان نقبل ان كثرة اتباع الاعمال القبيحة قد غطت على قبحها فاصبحت جميلة طاهرة؟
افرضوا انكم خمسة اشخاص في غرفة واحدة ان اراد اربعة منكم ان يدخنوا سجائر ويلوثوا جو الغرفة، وشخص واحد فقط لم يشأ ان يدخن واراد ان يبقى جو الغرفة نقياً، فالحق مع من؟ هل يمكننا ان نقول ان ذلك الشخص لانه اقلية فيجب ان يخرج من الغرفة ويتنفس الهواء النقي، والاشخاص الاربعة لانهم اكثرية فيجب ان يبقوا في الغرفة ويلوثوا جوّها؟
من هذه الآية نستنتج:
- الاكثرية ليست دليلاً على صحة الرأي ولا دليل على سلامة المنطق.
- كل الناس لديهم عقول، ولكن الكثيرين منهم لا يفكرون بعقولهم ويتصرفون وفقاً للآداب والعادات الاجتماعية والظروف البيئة، لذا فان تصرفاتهم وإن كانوا اكثرية غير منطقية.
- السعادة والفلاح تستلزم بالاضافة الى العقل والذكاء، الايمان والتقوى كي يميز الانسان بين الحق والباطل بشكل صحيح على اساس المعايير الالهية.
والآن ايها الاخوة تعالوا لننصت واياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين 101 و102 من سورة المائدة لنطلّع بعد ذلك على تفسيرهما:
يا ايها الذين آمنوا ............ ثم اصبحوا بها كافرين
مع ان السؤال هو مفتاح العلم والمعرفة، ولكن بعض الاسئلة لافائدة منها بالاضافة الى انها تؤدي الى ظهور بعض المشاكل في المجتمع، وبعض الاسئلة سببها الوسواس، وكثيراً ما يسبب جوابها مشاكل للمجتمع، بالاضافة الى انه وبما كان الهدف من اعادة نفس الاسئلة العثور على طريقة للتملّص من ادائها وليس لأدائها، كما في زمن النبي موسى (ع) عندما كلفهم الله ان يذبحوا بقرة، ولأن هذا الامر كان صعباً عليهم فقد اخذوا يسألون عن لونها وشكلها وسنها وصفاتها الاخرى، وعندما حصلوا على الجواب، كان العثور على بقرة لها هذه الاوصاف صعب جداً.
جاء في الروايات ان الرسول كان يتحدث للناس عن الحج فسأله احدهم: هل الحج واجب كل عام ام مرة واحدة في العمر؟ فلم يجبه النبي (ص) فاعاد سؤاله عدة مرات، فسأله النبي (ص) عن سبب هذا الاصرار؟ وأنه آذار كان يجب ان يحج كل عام لأمره بذلك.
من هذه الآية نتعلّم:
- ليس من الضروري ولا المفيد معرفة كل شيء، يجب البحث عن العلوم المفيدة، وليس من الضروري معرفة المسائل التي تسبب المشاكل والاخلال بشؤون المجتمع.
- عدم فرض بعض الاحكام على الناس، جانب من العفو الالهي كما ان بيان بعض الحقائق للناس الذين لا يسعهم فهمها وتقبّلها يسبب انكارهم لها ويؤدي الى كفرهم.
وبهذا نأتي الى نهاية هذه الحلقة من برنامج نهج الحياة، على امل ان يوفقنا الله واياكم لتمييز الحق من الباطل، نستودعكم الباري تعالى والسلام عليكم.