بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله حمدالشاكرين ثم الصلاة والسلام علي البشير النذير سيدنا محمد واله الأطيبين الأطهار، السلام عليكم يا اخوة الأيمان في كل مكان، نجتمع معاً علي مائدة القرآن نتزود منها خيرالزاد لدنيانا وآخرتنا. اذ في العمل بهذه الكتاب المبين الفوز في الدارين وجنات النعيم.
في الحلقتين الماضيتين من هذا البرنامج قدمنا لكم تفسيراً موجزاً للآيات الست الأولي من سورة النساء، ونبدأ هذه الحلقة بالآية السابقة من هذه السورة المباركة حيث يقول جل جلاله:
للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه او كثر نصيباً مفروضاً
كما يتذكر حضرات المستمعين، فأننا قد قلنا في بداية سورة النساء ان هذه السورة لا سيما في اياتها الأولي تتناول احكاماً اسرية واجتماعية منها ما يتعلق بالأسر التي لا كافل لها واليتامي والصغار الذين يحتاجون الي القيمومة والوصاية.
ويذكر المفسرون ان احد اصحاب النبي (ص) مات وترك مالاً وكان عنده زوجة واطفال لكن ابناء اخوته استحوذوا علي التركة ولم يعطوا الزوجة والأولاد شيئاً منها. حيث ان من عادات العرب في الجاهلية ان يرث الميت الرجال المحاربون فقط وهنا نزلت هذه الآية لتبين حكماً شرعياً يقوم علي اساس النهج الأسلامي النير والعادل وعلي اساس هذا الحكم يرث الرجال من النساء والنساء من الرجال.
ونتعلم من هذه الآية:
اولاً: ان الأسلام ليس دين صلاة وصوم فقط انه دين الحياة له احكامه الأقتصادية والأجتماعية.
ثانياً: ان تقسيم الميراث لابد ان يكون علي اساس القانون الألهي لا علي اساس العادات الأجتماعية.
ثالثاً: المهم في تقسيم الثروة الموروثة رعاية العدل والأنصاف مهما كانت الثروة الموروثة قليلة.
و يقول تعالي في الأية الثامنة من سورة النساء:
واذا حضر القسمة اولوا القربي واليتامي و المساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولاً معروفاً
من الأمور التي يؤكد عليها الأسلام الكريم حفظ العلاقات الأسرية والعلاقات الأجتماعية وتبين هذه الآية حكمين اخلاقيين.
الأول: اذا حضر قسمة الأرث البعض من الأرحام الذين لا يرثون وكانوا فقراء فينبغي اعطاءهم من الأرث شيئاً. اذ في هذا تسكين لروح الحسد التي قد تداخل النفس من جراء الفاقة.
الثاني: التعامل مع مثل هؤلاء باسلوب لين.
ويقول تعالي في الآية التاسعة من سورة النساء:
وليخشي الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً
من اجل ان يحرك القرآن عواطف الناس تجاه وضع اليتامي. يصور وضع اطفالهم حينما لا يكون لهم مأوي الذين يسيطر عليهم اناس فتاة و يستحوذون علي اموالهم.
ثم بحث القرآن الناس علي مراعاة امور اليتامي وعدم ظلمهم أوغصب حقوقهم، وفي الوصية المشهورة برعاية اليتامي التي أوصي بها أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه الصلاة والسلام المسلمين قبيل وفاته تأكيد علي لزوم رعاية حقوق اليتامي وان لا يضيعوا في حضرة الناس.
ونتعلم من هذه الآية ان نتعامل مع اليتامي كما نحب ان يتعامل الناس مع ابنائنا، وان اليتيم لا يحتاج الملبس والمأكل فقط ،انه بحاجة كذلك الي العواطف والمشاعر الجياشة التي تدخل في قلبه الدفء بعد ان حرم رأفة الأب أو حنان الأم.
ويقول تعالي في الآية العاشرة من سورة النساء:
ان الذين يأكلون اموال اليتامي ظلماً انما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيرا
تشير هذه الآية الي الوجه الباطن لظلم اليتامي ذلك ان اكل مال اليتيم هو كابتلاع النار الحارقة.
وبشكل عام فأن اعمالنا في هذه الدنيا لها وجه ظاهر نراه بالعين . اما الوجه الباطن او الوجه الثاني فنحن لا نراه في الدنيا انم يتجسم في الآخرة وبعبارة اخري اكثر وضوحاً نقول ان العقاب الأخروي هو تجسم اعمال الأنسان . واكل مال اليتيم يحرق قلب اليتيم بيد انه بالنسبة للأكل نار حارقة أشد إحراقاً. ونتعلم من هذه الآية ان اكل المال الحرام لاسيما اموال اليتامي يبدو في الظاهر لذيذاً لكنه في الحقيقة عذاب للروح يقضي عليها وعلي محاسن الصفات لدي الأنسان.
ثم ان نار جهنم انما هي نار اعمالنا السيئة ان الله تعالي رؤوف رحيم لا يريد لعبده النار لكن العبد هوالذي يلقي بنفع في النار لما يقترفه من المعاصي والآثام وسئ الأعمال.
نسأل الله تعالي ان يوفقنا المراضيه ويجعل مستقبل امرنا خيراً من ماضيه، والسلام عليكم حضرات المستمعين الأفاضل ورحمة الله وبركاته.