وله الحمد والمجد الرب الغفور الكريم، والصلاة والسلام على نهجه القويم وصراطه المستقيم محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم اعزاءنا، اسعد الله اوقاتكم، ها نحن نلتقيكم على بركة الله في حلقة اخرى من هذا البرنامج نستكمل فيها الحديث ـ بعون الله تعالى ـ عن بقية المشاهد المشرفة في النجف الاشرف، رزقنا الله واياكم التقرب اليه جل جلاله بزيارتها.
ومن المشاهد المشرفة في النجف الاشرف مشهد رأس الحسين (عليه السلام)، وهذا المشهد وإن لم تحدد آثاره الا ان ثمة احاديث شريفة تصرح به وتأمر بأعمال عبادية بشأنه يقوم بها المؤمنون عادة في حرم الامام علي (عليه السلام).
نقرأ لكم احباءنا بعض الاحاديث المصرحة بذلك، منها ما رواه الشيخ ابو القاسم جعفر بن قولويه في كامل الزيارات عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: انك اذا اتيت الغري، رأيت قبرين: قبراً كبيراً وقبراً صغيراً، فأما الكبير فقبر امير المؤمنين عليه السلام وأما الصغير فرأس الحسين (عليه السلام).
وروى الشيخ الطوسي في كتاب الامالي بسنده عن المضل بن عمر قال جاز الصادق (عليه السلام) بالقائم المائل في طريق الغري فصلي عنده ركعتين فقيل له ما هذه الصلاة؟
فقال: هذا موضع راس جدي الحسين بن علي (عليه السلام) وضعوه ها هنا.
وروى الشيخ الكليني في كتاب الكافي مسنداً عن يزيد بن عمر بن طلحة ضمن حديث زيارة الامام الصادق ومعه ابنه اسماعيل عليهما السلام للنجف الاشرف، قال الرواي:
فركب (عليه السلام) وركب اسماعيل وركبت معهما حتى اذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل (عليه السلام) ونزل معه اسماعيل ونزلت معهما، فصلى وصلى اسماعيل وصليت فقال (عليه السلام) لاسماعيل: قم فسلم على جدك الحسين (عليه السلام).
فقلت: جُعلت فداك اليس الحسين )عليه السلام) بكربلاء قال: نعم، ولكن لما حُمل الرأس الى الشام سرقه مولى لنا فدفنه بجنب امير المؤمنين (عليه السلام).
الروايات المتقدمة تصرح بأن موضع (القائم المائل) هو مشهد رأس الحسين (عليه السلام) في النجف الاشرف؛ وهذا الموضع هو الذي بمسجد الحنانة الذي يقع بين النجف والكوفة وهو الى النجف اقرب، وكان الامام امير المؤمنين (عليه السلام) يخرج الى موضع مسجد الحنانة لاداء صلاة العيد كما روي في المصادر المعتبرة.
أما عن سر تسميته بمسجد الحنانة، فقد روى الشيخ الطوسي في الامالي وكذلك السيد عبد الكريم بن طاووس في فرحة الغري بسنده المعتبر ان ابن مسكان سأل الامام الصادق (عليه السلام) عن (القائم المائل) في طريق الغري، اي سأله عن سبب الميل في هذا الشاخص الذي كان بمثابة المنارة، فأجاب مولانا الصادق (عليه السلام): لما جازوا بسرير امير المؤمنين (عليه السلام) انحنى [هذا القائم] أسفاً وحزناً على امير المؤمنين (عليه السلام).
والمقصود هو عند حمل جثمان امير المؤمنين بعد وفاته (عليه السلام) من الكوفة لدفنه في النجف الاشرف، اي أنه سمي المسجد بالحنانة نسبة الى حنين هذا الشاخص القائم على امير المؤمنين (عليه السلام) مثلما جرى مع الجذع الذي كان في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) وكان له حنين على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في الرواية المتواترة عند جميع فرق المسلمين والمروية في صحاحهم، وكان لموضع هذا الجذع معلم معروف في المسجد النبوي يُعرف باسطوانة الحنانة يستحب الدعاء والصلاة عندها.
من هنا صرح العلماء في كتاب المزار ان موضع القائم المائل هو مسجد الحنانة حيث حن القائم لصلاة امير المؤمنين (عليه السلام) صلاة العيد فيه ايام خلافته. وقد روي عن ائمة اهل البيت (عليهم السلام) دعاء خاص بهذا المسجد اضافة الى صلاة ركعتين فيه مع تصريح بأنه مشهد رأس الحسين (عليه السلام).
فقد قال الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس في كتابيهما في المزار في سياق زيارة امير المؤمنين (عليه السلام) قالاً: فاذا بلغت العلم وهي الحنانة فصل ركعتين، فقد روى محمد بن ابي عمير عن المفضل بن عمر قال:
جاز الصادق (عليه السلام) بالقائم المائل في طريق الغري فصلى ركعتين فقيل له: ما هذه الصلاة؟
فقال: هذا موضع راس جدي الحسين بن علي (عليهما اسلام) وضعوه ها هنا لما توجهوا من كربلاء، ثم حملوه الى عبيد الله ابن زياد، فقل هناك: «اللهم إنك ترى مكاني وتسمع كلامي ولا يخفى عليك شيء من امري، وكيف يخفى عليك ما انت مكونه وبارؤه؟ وقد جئتك مستشفعاً بنبيك نبي الرحمة ومتوسلاً بوصي رسولك، فأسألك بهما ثبات القدم والهدى والمغفرة في الدنيا والآخرة».