وله الحمد أن جعل مشاهد اوليائه المباركة ومراقدهم المشرفة بيوتاً لذكره ومناراً عباده أذن ان ترفع وتُعمر بأيدي عباده الصالحين. والصلاة والسلام على خير النبيين محمد الامين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته، اهلاً بكم ومرحباً في ثامنة حلقات هذا البرنامج نخصصها بعون الله للحديث عن مشهد بقيع الغرقد وهو اهم مشاهد المدينة المنورة بعد المسجد النبوي المبارك.
أجمع فقهاء المسلمين بمختلف مذاهبهم على استحباب زيارة مقبرة البقيع في المدينة المنورة لما صح في الروايات الشريفة من ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقوم بذلك كل ليلة خاصة قبيل وفاته، وقد جاء في بعض الاحاديث الشريفة، كالذي رواه مسلم في كتابه المعروف بالصحيح، عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
أتاني جبرئيل فقال: ان ربك يأمرك ان تأتي اهل البقيع فتستغفر لهم.
وفي حديث آخر أنه (صلى الله عليه وآله) كان يخرج من آخر الليل الى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ما توعدون، غداً مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد».
وقد جاء في نصوص بعض زيارات النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) المروية عن اهل بيته (عليهم السلام) أن يقول الزائر: «السلام على البقيع وما ضمّ البقيع من الانبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين».
ويُستفاد مما تقدم ان البقيع من البقاع التي شرفها الله عزوجل وأذن أن ترفع بزيارتها والاستغفار لأهلها والتعبد لله عزوجل فيها.
وقد ازاد البقيع بركة وشرفاً وتأكد بالتالي استحباب زيارته بعدما ضمّ الاجساد الطاهرة لاربعة من الائمة المعصومين (سلام الله عليهم) أولهم الحسن المجتبى (عليه السلام)، وقد نص جده النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) على عظيم ثواب زيارته في احاديث كثيرة نذكر منها ما روي في كتاب تهذيب الاحكام، أن الامام الحسن (عليه السلام) قال لجده (صلى الله عليه وآله): يا رسول الله ما لمن زارك؟
فقال (صلى الله عليه وآله): من زارني حياً أو ميتاً أو زار أباك حيّاً او ميتاً، او زار أخاك حياً او ميتاً، او زارك حياً او ميتاً كان حقاً عليّّ ان استنقذه يوم القيامة.
وروي في كتاب قرب الاسناد عن مولانا الباقر (عليه السلام) أن الحسين بن علي (عليهما السلام) كان يزور قبر الحسن بن علي كل عشية جمعة.
كما روي في كتاب كامل الزيارات أن محمد بن الحنفية كان يأتي قبر الحسن بن علي فيسلم عليه ويزوره بزيارة مؤثرة ثم يلتفت الى الحسين فيقول: السلام عليك يا ابا عبد الله وعلى ابي محمد السلام.
ويشترك مع الامام الحسن )سلام الله عليه( في الزيارات المروية عن اهل البيت (عليهم السلام) الائمة الثلاثة من ذرية اخيه الحسين (عليه السلام) وهم السجاد والباقر والصادق عليهم السلام وقد ورد في كثير من الروايات ثواب عظيم لزيارتهم (سلام الله عليهم).
ويستفاد من قول بعض المحققين أن هؤلاء الائمة الارعة قد دفنوا الى جوار جدتهم فاطمة بنت اسد عليها السلام فالقبر الخامس في بقعتهم هو قبرها وليس قبر العباس عم النبي (صلى الله عليه وآله) كما انه ليس قبر الصديقة الزهراء (سلام الله عليها) التي عرفنا انها لم تدفن في البقيع بل ان قبرها مجاور لقبر والدها رسول الله في بقعة الروضة المباركة من مسجده المقدس.
وإضافة الى زيارة قبور الائمة الاربعة عليهم السلام في البقيع ذكرت روايات اهل البيت (عليهم السلام) استحباب زيارة جدتهم فاطمة بنت اسد عليها السلام ولها زيارة خاصة مروية عن الائمة كما تستحب زيارة قبر ابراهيم بن رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمروي عنهم (عليهم السلام) وقبر السيدة الجليلة فاطمة بنت حزام الملقبة بأم البنين زوجة امير المؤمنين (عليه السلام)؛ وقبور باقي الصالحين الذين ضمتهم هذه البقعة المشرفة ونشير هنا الى ما اكدته الاحاديث الشريفة من الحث على زيارة مسجد الفضيخ في المدينة المنورة والصلاة فيه لأنه المحل الذي ردت فيه الشمس لأمير المؤمنين (عليهم السلام) ببركة دعاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكي يصلي العصر عن قيام كما ورد في الرواية المعروفة المروية من طرق الفريقين.