في يوم من أيام خلوة مريم لعبادة الله، وبعد ان بلغت مبلغ النساء، ظهر أمامها الملك جبريل عليه السلام والذي تمثل لها بشراً سوياً لتأنس به ولا تنفر منه، فحاولت الهروب منه وظنت أنه يريد بها سوءاً وهي تقية مؤمنة عفيفة، فجاء آيات القرآن في ذلك من سورة مريم:
قالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19)
ونفخ ذلك الملك في جيبها فإذا هي حامل بقدرة من الله. عانت السيدة مريم من آلام الحمل كسائر النساء، وأثقلتها الهموم والأحزان في بلدتها (الناصرة) لما سيتحدث عنها الناس من سوء، ولذلك قررت الاعتزال في بيت ريفي وحيدة كئيبة حزينة، إلا انها قد استسلمت لقضاء الله وقدره إلى أن حان وقت ولادتها بعد تسعة أشهر، احست مريم بآلام المخاض فلجأت إلى جذع نخلة وآلمتها وحدتها قائلة:
فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)
سمعت مريم أثناء تألمها صوتاً يناديها من تحتها أن لا تخاف ولا تحزن كما في الآيات التالية:
فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26)
والسَّريّ هو جدول نهر يجري ماؤه تحتها في تلك البقعة الجرداء،كانت تلك المعجزة دليلاً قاطعاً على براءتها وعفتها وطهارتها، فقويت بذلك نفسها وأتت قومها بالولد تحمله، وأخذ الجميع باتهامها كما جاء في الآيات التالية:
فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)
لكن كان من تقدير الله أن أنطق عيسى، هذا الطفل الصغير وهو في حالة المهد وأجاب على طعن أولئك الطاعنين بعد الإشارة إليه كما جاء في هذه الآيات:
فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ ما دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33)
بهر صوت عيسى تلك الجماعة وأسكتتهم تلك الآية، فذاع شأن عيسى إلى يوم القيامة، وقد جاء في سورة مريم:
ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36).