السلام عليكم أعزاءنا وأهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج وستكون لنا فيه وقفة مع إضاءة معرفية قيمة في مجال السبل العملية لبعث روح التقوى في النفس فكثير يقولون نعلم أن التقوى أمر مهم ولكن كيف نُصبح أتقياء؟ أما صاحب هذه الإضاءة، فهو الفقيه الإمامي العارف والعالم الولائي الزاهد الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي من أعلام فقهاء الإمامية في القرن الهجري العاشر وصاحب الكرامات والعظات المؤثرة. وقد إخترنا كلماته الآتية من إجازته الحديثية التي كتبها لأحد العلماء الأبرار والتي نقل نصها العلامة المجلسي في الجزء ۱۰٥ من موسوعة البحار. تابعونا مشكورين.
قال العارف القطيفي في وصيته لأحد العلماء: الذي أعتمده لنفسي من الوصية ولك عموماً فما هو على العموم تقوى الله، ومعناه أن تتقيه اتقاء من علم أنه سبحانه وتعالى عالم بأن مابك من نعمة فمنه، وأنك متوصل بها إلى غير ما يرضيه، وأنه قادر على نزعك إياها، وعلى أن يستبدل بك غيرك، وتقوى من علم أن عمل أهل السماوات والأرض لايفي بنعمته، ولا ما أعد لطائعه من جنته. فإن لم يقدح في نفسك ذلك فعالجه بالحب فان من أحسن إليك من المخلوقين ولو بالبشاشة، وحن إليك أحببته بطبعك، تجده قطعا، فانظر لنفسك هل تجد حب الله تعالى فيك، فإن لم تجده فاعلم أنك لست ممن آمن به، لأنه تعالى يقول: "يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ" إشارة إلى المشركين، فأخبر أنهم يحبون الله أشد الحب لكن يحبون الأنداد كحبه، ثم قال: "وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ" لأنهم لايحبون أحدا محبته تعالى، وذلك هو الحق اليقين، فان من أحسن وأساء يحب لاحسانه، فكيف من أحسن ولم يسئ، وماظنك به إذا كان هو المالك للذات وتوابعها، وأنه المرجع والمآل، والوارث، وأنه الذي لا غناء لشئ عنه، ولابد لكل شئ في كل شئ منه.
مستمعينا الأفاضل إذن فما يقوي روح التقوى في النفس تذكيرها المستمر بقبح عصيانه لكونه صاحب الإحسان القديم علينا، أو لأنه الجدير بكل حب وطاعة لكونه الجميل المطلق والمنعم ولحاجة الجميع لفيضه وإحسانه، ومن العوامل الأخرى لإيجاد التقوى مايذكر العارف الجليل الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي في تتمة وصيته حيث يقول:فإن لم يقدح في نفسك ذلك فعالجها بالحياء فان من أحسن إليك وأنت تسئ إليه، ثم عاودك بالاحسان ثم أسأت، ثم عاودك بالاحسان، وفي كل ذلك هو حاضر معك، غني عنك راع لك يرى اللطف بك أجدر عساك أن ترجع إلى ما يصلحك، حقيق أن تستحي منه، قال تعالى: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". فإن لم يقدح في نفسك (أي لم يؤثر) فعالجها بالتجارة فيه، وأنه المتجر الذي لايخيب التاجر فيه، و المربح الذي لا خسران معه، والحفيظ الذي لا يعزب عنه ما تعمل له، والوكيل الذي يثمر الحسنة لعاملها، وانظر سعيك في يسير متجر الدنيا كم تشتغل له، وكم تبذل فيه من نفائس أوقاتك طيبة به نفسك، غير مخالط لها وسوسة ولاضجراً. فإن لم تتجر فيه، فقلبك في غمرة من توعده قال تعالى: "بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ"، وقال تعالى بعد أن حكى خبر يوسف: "وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ* وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ"، وقال في قصة قارون: "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ* وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ".
أيها الاخوة والأخوات وخلاصة القول هي أن مما يعزز روح التقوى في النفس تذكيرها المستمر بالأمور التي توجب على كل إنسان الورع عما حرم الله. إما خوفاً منه عزوجل أو حباً له أو حياءً منه وهو عظيم الإحسان تبارك وتعالى. وهذا ما رأيناه في الكلام المتقدم الذي إخترناه من إحدى وصايا العارف الإمامي التقي العلامة الشيخ ابراهيم بن سليمان القطيفي رضوان الله عليه.