السلام عليكم إخوة الإيمان والولاء، يُعد إتباع الهوى الخطر الرئيسي الذي يهدد حركة الإنسان نحو التكامل والرقي في منازل القرب الإلهي، ولذلك فقد حذرت النصوص الشريفة منه وإعتبرته من مصاديق الشرك الظاهر حيث يصبح فيها إلاهاً للإنسان يصده عن عبادة الله عزوجل فما هو السبيل للنجاة من هذا الخطر؟ الإجابة نعرضها مستمعينا الأكارم في هذا اللقاء من كلام لأحد أعلام علماء الإمامية في القرن الهجري العاشر هو الصالح العالم الرباني الشيخ إبراهيم بن سليمان القطيفي البحراني صاحب تصنيفات فائقة وإجازات نافعة ومقامات عالية. ومن مؤلفاته كتاب الفرقة الناجية، والهادي إلى سبيل الرشاد في شرح الارشاد، ونفحات الفوائد وشرح على ألفية الشهيد، وشرح الأسماء الحسنى والأربعين، ونوادر الاخبار الطريفة وغيرها. قال المحدث الشيخ يوسف البحراني في كتاب لؤلؤة البحرين: وقد رأيت بخط بعض الفضلاء أنه حكى عن بعض أهل البحرين في حق الشيخ هذا قدس سره، ان هذا الشيخ قد دخل عليه الإمام الحجة عليه السلام في صورة رجل يعرفه الشيخ فسأله أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم فقال الشيخ: "ان الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أمن يأتي آمنا يوم القيمة اعملوا ما شئتم انه بما تعلمون بصير"، فقال عليه السلام: صدقت يا شيخ ثم خرج. فسأل أهل البيت خرج فلان فقالوا ما رأينا أحدا داخلا ولا خارجا.
مستمعينا الأكارم وللشيخ ابراهيم القطيفي إجابة عن سؤالنا المتقدم في بداية اللقاء عن سبل النجاة من خطر إتباع الهوى، ففي إحدى إجازاته الروائية نقلها العلامة المجلسي في الجزء (۱۰٥) من موسوعة بحار الانوار يبين الشيخ القطيفي أن النجاة من إتباع الهوى إنما تكون بأتباع حجتي الله على عباده، وهما الحجة الباطنية أي العقل السليم المتحرر من الأهواء، والحجة الخارجية وهم رسل الله وأولياؤه المقربون عليهم السلام. قال الشيخ العارف ابراهيم القطيفي في مقدمة إجازته الروائية المشار إليها: "الحمد لمن خلق العقل هاديا إلى النجاة من معاضل المشكلات، وجعله معصوما من الخطا والضلالات، فالمتبع له المنقاد لهدايته فائز برضوانه في الدارين فاضلا ملائكة القدس الأدنين، والمؤثر هواه هاو في الأخسرين، ناقصا عن مراتب الأسفلين. أحمده حمد من عرفه للعقول مسددا وإلى الصواب في المعاش والمآل مرشدا، وعلى الطاعات التي كلف بها عباده مسعدا أي مساعدا وعن مهاوي المعاصي لعباده بتوفيقه مبعدا. وأثنى عليه ثناء من أشار له إلى بدايع ألطافه، وأراه في مطالبه دقايق اسعافه ولم يمنعه من ذلك رؤيته على معاصيه بطول اعتكافه، وعلى نفسه المأمور بصيانتها بفرط إسرافه، وأتوكل عليه وأستعينه وأستهديه وأستغفره وأتوب إليه استغفار من علم أنه للعفو والرحمة خلق العباد".
مستمعينا الأفاضل أما عن الحجة الظاهرية فيشير العارف الشيخ ابراهيم القطيفي الى حكمة وجود الصراع الداخلي في كل إنسان ودور الرسل والأولياء في إيصال العبد الى الله عزوجل قال قدس سره الشريف: "ان المحبة القدسية اقتضت ظهور كمالات الحق في النشأة الحسية وأعظمها جمعا وتفضلا الأنفس الانسية، حيث لم يتم لها الكمال الأعلى إلا بجعلها بطبعها نافرة عن الطاعات لتوفر دواعي الشهوة ثم يردعها الحب لباريها عن الاقتراف وتردها المربوبية والاعتراف، فسموا على الملائكة الدائبين على الطاعات من غير انصراف، كونها الحق كذلك. ثم شرع الشرايع الظاهرة فأبان بها ما خفى على العقول من الحكمة الباهرة، وألهمها ذوي الأنفس الباصرة والأعين الناظرة، وجعلهم النجوم الزاهرة يهدي بهم في ظلمات مدلهمات الدنيا والآخرة، ففاز الفائزون بالاتباع بالنعيم المقيم وخسر هناك المبطلون بالامتناع، فكان مسكنهم الجحيم، فبلغ الرسل أوامر الباعث مجدين، وبالغوا في النصح مجتهدين، وقربوا به الأبعدين وأبعدوا الأقربين، فلما توفاهم الله إليه أقام السفراء مقامهم للدلالة عليه، فجعل اتباعهم هو الطريق إليه عزوجل".
مستمعينا الأفاضل إذن فالذي ينجي الإنسان من خطر إتباع الهوى هو إتباع حكم العقل السليم فيما عرف من الحق وإكماله بأتباع أولياء الله المقربين عليهم السلام الذين جعلهم الله سفراءه الى خلقه وحجته الظاهرية الذين يكملون دور حجته الظاهرية وهو العقل السليم.
وبهذه النتيجة ننهي أعزاءنا مستمعي إذاعة طهران لقاء اليوم من برنامج (من فيض أهل المعرفة)، تقبل الله منكم حسن الإصغاء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.