مسرح التشابيه، مسرح تراجيدي مذهبي وتقاليد شيعية وايرانية، وهي في الأغلب الأعم تقام لإحياء ذكرى واقعة الطف شهادة الإمام الحسين وآل بيته ولا تخلى من إحياء ذكرى الإمام علي وذريتهم الكرام والأولياء الصالحين.
العزاء في اللغة يعني الصبر، التسلي، ذكر الفقيد وتفقد ذويه، وفي بعض مناطق ايران وعلى سبيل المثال محافظة خراسان فإنها تعني مجالس الترحيم.
ومن البديهي أن العزاء الذي أخذ شكل مسرح التشابيه اليوم إنما أخذ مكانته وموقعه الاجتماعي تدريجياً وعلى مرّ السنين ضمن ضوابط وشروط تدرجت طوال هذه السنين.
وعلى ضوء ذلك فهي بدأت بشكل مجاميع ضئيلة تمر بهدوء امام الحاضرين تتزامن مع اللطم واستعمال الزنجير وأحياناً يرافقها قرع الطبول وماشابه ذلك أو حمل رايات ولافتات إذ لاتبتعد كثيراً عن مثيلاتها في الحروب، مصحوبة بقراءة المراثي والمقاتل وذكر وقائع كربلاء ومصاب الامام الحسين (ع) وبشكل جماعي، وكذلك لمناسبة شهادة الامام علي (ع) أيضاً مكان في هذه المراسم.
وأعقبتها مرحلة تقلصت فيها قراءة المراثي بصورة جماعية، إنما كثرت حالة العرض والأداء الفردي في سرد الواقعة للحاضرين يرافقها ضرب الطبول والناي.
وبعدها تطور بشكل عرض مسرحي مع تناسب اللباس لتقريب المفهوم والمشهد للحاضرين المشاهدين بأزياء تاريخية متناسبة والحدث. فيتعدد الأشخاص ليؤدي كل دور الشخصية المعنية ليجسد ما حل بها من مصاب.
ثم تلت ذلك مرحلة المحاورة بين ممثلي الادوار ما دعى إلى ان تتطور لاختيار الممثل الأكفأ والبارع لأداء الدور وبشكل فني.
يذكر السائح والتاجر الفرنسي المعروف (تاورنيه) في كتاباته حول احدى المراحل التي مرت بها مراسم العزاء قائلاً:
وفي محرم عام 1046 هجرية شمسية أنه شهد احدى مراسم العزاء بحضور ثاني ملوك الصفويين وقد استغرق 5 ساعات يقول: ومن بين ما شاهدت تشابيه هودج وفيه طفلان يمثلان اولاد الامام الحسين (ع) وكأنهما ميتان والبعض ممن حوله يبكون وينوحون.
لقد وصلت مواكب العزاء ومسارح التشابيه أوجها في فترة ناصرالدين شاه (1885-1934 ميلادية)، لانه كان محباً لها وبتشغف. ولقد كانت التكايا المؤسسة لهذا الغرض تحت اشراف السلطة وممثلهم (معين البكا) ليرفع اليهم التقارير.
وبأفول عهد القاجاريين وانتقال السلطة إلى (رضا خان ميربنج) (1925-1941 ميلادية) خاصة العقد الثاني أفلت أيضاً فترة الانتعاش النسبي لمجالس العزاء والتشابيه حيث تم تحديد ووضع العراقيل والمنع أمام اقامتها بحيث اعتبرت رسمياً ممنوعة، فهي بقيت منحصرة في القرى والاماكن البعيدة عن المركز يسبب ما كان يكنه رضاخان من حقد دفين للعقائد والشعائر الدينية.
وحسب الظاهر كان من أهم الكتب ومصادر التعزية نثراً كتاب (روضة الشهداء) تأليف كمال واعظ الكاشفي السبزواري اذ ما كانت تطرح من نصوص تتطابق كثيراً مع مضامين هذا الكتاب.
بشكل عام كانت مجالس العزاء والتشابيه تبرمج حسب ذكرى أحداث الطف فلكل يوم تهيأ المواضيع والنصوص الخاصة بها لإجرائها، ويأخذ كل قائم بالدور نصوصه ليعرضها في أدائه. وتأتي النصوص في أغلب الأحيان بشكل حواري ومتداخل تستخرج من واقعة الطف ولا تبتعد عن حقيقة الواقعة وضرورياتها.
ولكي يتناسب النص والعرض المسرحي يصاغ منظوماً نثراً او شعراً وبأوزان عروضية مبسطة حتى انها تتجنب نظم الشعر على البحر الطويل. وفي بعض الأحيان يتم اللجوء الى النظم الشعبي المتماهي مع الواقعة، ولكن مع تقادم الايام قل اللجوء الى النصوص الشعبية.
وبما أن هذه التشابيه كانت تعتمد القراءة الملحّنة لذا كانت الضرورة تتطلب على المؤدي أن يكون ملمّاً نوعاً مّا بالالحان، فمن هذا المنطلق دعت الضرورة ايضاً ان يطلع المؤدي ولو بالمقدار المطلوب على بعض المقامات او النغمات الموسيقية. وبعبارة أخرى لابد ان تراعى جوانب المقامات الموسيقية في أي أداء هنا وهناك.
فكما كانت مجالس التعزية وعروض التشابيه تقدم بصوت مناسب وملحن وبشكل مقامات، كذلك كان لأدوات الموسيقى والإيقاع دور بارز في هذه العروض فدخلت في كثير من الأحيان لتعوض عن دور أو عن المقدمة التي كانت تقرأ وهي تحمل الدراما الخاصة بها.
وكانت تهيأ بعض الآلات الموسيقية المناسبة للتعزية كالطبل الصغير والطبل الكبير، والمزمار الخاص، والأبواق وبعض انواع الدفوف الخاصة والمناسبة، لتهيئ جواً مناسباً للتفاعل مع المواكب والأداء.
المشاهد التي تخلو من الحوار والخطب الطويلة منها كانت الادوات الموسيقية وخاصة الطبل يملؤها وكل آلة تؤدي حالة خاصة بها فعند تحرك الاشخاص او انطلاقة الحرب تقرع الطبول، وفي مواقف الحزن المزامير والأبواق تخلق جواً ملائماً ومؤثرا.
وفي ايران كان للموسيقى وهذه الأدوات حضور فاعل واهتمام كبير بالنغمات وتأثير على شعور الحاضرين.
وبحمدالله مع انتصار الثورة الاسلامية في ايران كثفت الجهود الحكومية والشعبية لإحياء هذه الشعائر بما فيها مسارح التشابيه باخلاص داخل المدن وخارجها، وتبقى الطموح لم تتحقق كاملة وإن شاء الله تعالى هي نحو الأحسن.