نص الحديث
قال الامام علي عليه السلام: "الشكر ثروة".
دلالة الحديث
الحديث المتقدم يجسد احدى الصور الفنية التي نصطلح عليها بـ (التمثيل) او (التجسيد) كما يصطلح عليها بالاستعارة والمهم هو: صياغة الحديث بلاغياً حيث يعني من زاوية دلالته: شكر الله تعالى اي: شكر العبد لله تعالى على ما انعم عليه، واما بلاغياً: فقد جعله الامام (ع) اي الشكر ثروة مما يعني: ان الشكر يتماثل مع الثروة في حقيقة ادائه من العبد، والسؤال الان هو: ما هي الخصائص الفنية لهذا الحديث، هذا ما نبدأ بالقاء الاضاءة على بلاغته.
بلاغة الحديث
الثروة كما نعرف ذلك جميعاً هي: المال الكثير اي: المال الذي يحقق اشباعاً للشخصية في جميع حاجاتها: من المطعم والمشرب والمسكن والاثاث..الخ. وقد ورد عن الامام علي (ع) ايضاً ما يرتبط بالقناعة حيث جعلها كنزاً لاينفذ، وهذا يعني: ان الكنز او الثروة وسواهما من المصطلحات المحققة لاشباع حاجات الشخصية تظل مورد اثارة لمن يتأملها بدقة بخاصة اذا ادركنا ان الاشباع للحاجات لايعني: تحقق جميع الآمال التي يطمح اليها هذا الشخص او ذاك بقدر ما يعني: عدم الاحساس بالحاجة الى هذا الشئ او ذاك، وفي ضوء هذه الحقيقة نتجه الى ظاهرة (الشكر) لنجد ما تختزنه عبارة (الثروة) من تحقيق لحاجات الانسان.
قال الله تعالى: "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ"، وقد خلع النص القرآني الكريم على بعض الانبياء سمة تطغى على سائر سماته مثل (الصبر) بالنسبة الى ايوب (ع) ومثل صدق الوعد على اسماعيل (ع) ومثل (الشكر) على نوح (ع) حيث وصفه بانه كان (عبداً شكوراً.. الخ، وهذا يعني ان الشكر يجسد صفة لها اهميتها الكبيرة في ميدان السلوك، والاهم من ذلك كله هو: ان الشكر لله تعالى مع ملاحظة اننا لانحصي نعم الله تعالى علينا: تبعاً لقوله تعالى: "وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا"، هذا الشكر لله تعالى يظل تعبيراً عن ادراك العبد لعظم نعم الله تعالى اي: التقدير لعظمة النعمة وليس الجحد بها أو عدم الاهتمام بها حيث ان الجحد وعدم الاهتمام يسلخ الشخصية من انسانيتها وهو ما لا ينبغي ان يرتضيه العبد.
والان: بغض النظر عن الشكر بصفته تقديراً لنعمه تعالى ماذا نستلهم منه في ضوء عبارة (الشكر: ثروة).
من الواضح ان الله تعالى عندما يقرر هذه الحقيقة وهي "لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ" انما يعقب تعالى على مفهوم (الشكر) ونتائجه وهذا يعني: ان من يشكر الله تعالى على ما انعم عليه من مال او صحة او امن أو ايمان أو..الخ، انما يزيده تعالى من المال والصحة والامن والايمان..الخ، فاذا زاد هذا الحال وسواه عندئذ: ستتحقق (الثروة) اي: يصبح الشخص ذا مالٍ كثير او اذا صحة او امن او ايمان كثير وهكذا.
اذن: الثروة التي تعني: الكثير من مصادر الاشباع تنسحب على من يمارس (الشكر) على نعم الله تعالى، وها نحن بدورنا نشكره تعالى على ما انعم سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة انه سميع مجيب.