نص الحديث
قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): "العلم أمام العقل".
دلالة الحديث
النص المتقدم يتضمن تعريفا للعلم وللعقل، وللصلة بينهما.
بيد ان التعريف اكتسب طابعاً بلاغياً، حيث جعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (العلم) قائدا للعقل، اي، العلم هو القائد للعقل،... ولكن الحديث المذكور، يتضمن _من جانب آخر_ دلالة تتقابل _في الظاهر_ مع دلالة الفعل هو الموجّه او المفضي أو المرشد للعقل، وحينئذ نتساءل: ما هي النكتة الكامنة وراء ذلك؟
مما لا ترديد فيه ان (العقل) هو: المرشد للعلم (من زاوية ابتدائية، بمعنى ان من لا عقل له لا معرفة له، ولكن من زاوية ثانوية، يظل العكس هو الصائب تبعاً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (العلم أمام العقل)،... كيف ذلك؟
ان (العقل) مصطلح تستخدمه النصوص الشرعية بدلالات متنوعة فقد تستخدمه بمعنى مقابل للجهل فيكون بمعنى العلم، وقد تستخدمه بمعنى مقابل للجنون، وقد تستخدمه في دلالات اخرى، لكن ما يعنينا هو ملاحظة (العلم) من حيث كونه قائداً للعقل بحسب التعبير المجازي الذي استخدمه النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهذا يعني: ان العلم هو المرشد لعقل الانسان وهو ما نستهدف تناوله من الزاوية البلاغية، فنقول: اذا أخذنا (العقل) من زاوية دلالته الابتدائية التي تعني (الجهاز الادراكي للانسان) اي: ادراك الشيء متمثلاً في: تشخيص الظواهر الحسية من جانب، كإدراكه بأن البدن مثلاً هو هذا الجهاز العضوي للانسان، ومن جانب آخر ادراكه او تشخيصه للظواهر المعنوية او التجريدية: كادراكه للخير والشر أو الخطأ والصواب، حينئذ فان (العلم) هو: المرشد لآلية العقل في تحديده النسبي لما هو خير او شر أو خطأ او صواب... من هنا فنجد ان القرآن الكريم حينما يصف الكفار بانهم (كالانعام او اضلّ سبيلا) فان المقصود هو: عدم امتلاكهم للمعرفة النسبية، والّا فان الجهاز العقلي للكفار (اي الادراك للشيء) متوفر بدليل انه تعالى يحاسبهم على كفرهم – ولكنهم لم يجعلوا المعرفة المطلوبة امام عقولهم بل انطلقوا من الغفلة والعناد والتعصب الخ...، فجحدوا الحق وهو الايمان... وفي ضوء هذه الحقيقة نتقدم الى العبارة البلاغية التي رسمها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذهابه الى ان (العلم أمام العقل)... فماذا نستلهم منها؟
بلاغة الحديث
لقد جعل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) (العلم): بمثابة (تائه) او (ماشي) في الطريق، وجعل (العقل ) بمثابة ضال لا يعرف الطريق، انه يتمتع بجهاز الادراك وحده، اي: ستطيع المشيء في الطريق ولكنه لا يعلم الى اين هدفه، وهنا يجيء (العلم) ويتقدم [أمامه] حتى يهتدي (العقل) الى معالم الطريق ويصل الى الهدف المطلوب.
اذن: اتضح هذا الرمز أو الاستعارة او التمثيل في دلالته المتسمة بالطرافة والعمق من حيث صلة العقل بالعلم، ومن ثم: صلة ذلك بالإيمان، ومستوياته التي رسمها الله تعالى والنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والمعصومين (عليهم السَّلام)، سائلين الله تعالى ان يجعلنا من الممارسين للعلم وللطاعة، انه سميع مجيب.