نص الحديث
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أنبئكم بشراركم؟
قالوا: بلي.
قال: المشاؤون بالنميمة.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم، يجسد صورة بلاغية هي: الاستعارة، كما يجسدها: صورة اقتباسية من القرآن الكريم، حيث ورد قوله تعالي (هماٌز مشاٌء بنميم)، حيث تدرج ضمن مصطلح (التناص) في اللغة المعاصرة، والمهم هو دلالتها ثم صياغته الفنية.
اما دلالتها فهي: التفريق بين الناس، علي العكس تماماً من التأليف بينهم، حيث نعرف جميعاً ان الاسلام ينفرد من بين الايدولوجيات المتنوعة، بكونه يحرص جميع الحرص علي الألفة الاجتماعية، بحيث نجده يأمر المظلوم بأن يذهب الي الظالم ويقول له (انا الظالم) حتي يحمله علي المصالحة بعد القطيعة، ونجده يأمر بالتحية وبإنشاء السلام وبالمصافحة حتي لمن هو كاره لها، اولئك جميعاً تنم عن الحرص البالغ علي التأليف بين الناس، واشاعة الحب بدلاً من الكراهية.
من هنا نجد ان ما هو المضاد للتأليف بين الناس هو: التفريق بينهم، وهو: النميمة، حيث جعلها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) رأس الشرور.
والسؤال الآن هو: عن الصياغة الفنية لمفهوم النميمة، حيث اقتبسها (صلى الله عليه وآله وسلم) من القرآن الكريم، وقال: (المشاؤون) بالنميمة. فماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
بلاغة الحديث
لقد خلع النص طابع (المشي) وصاغ ذلك بصيغة المبالغة: تعبيراً عن مدي المفارقة أو الذنب لمن يمشي بالنميمة.
والسؤال من جديد: ما هي النكتة البلاغية وراء خلع طابع (المشي) دون سواه، علي النميمة؟
الجواب: واضح، ان المشي هو: رمز للسعي، ولا شيء اشد مفارقة من (السعي) في تحقيق الأشياء، فالساكت، والقاعد، والساكن يتميز عن الماشي بعدم السعي للشيء، بينما الماشي هو الساعي: تعبيراً عن الحركة، لذلك، فإن النمام عندما يضطلع بعملية اخبار عن الاخر أمام طرف يواجهه ويكلمه، انما يتحرك ويسعي هادفاً الي تهديم العلاقة بين الناس، وهو يتسق تماماً مع المشي الي ممارسة الحرام: كما هو واضح.