نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): الناس ابناء الدنيا، ولا يلام المرء علي حبّ امّه.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم للامام (عليه السلام)، يقرأ قراءتين، احداهما: ساخرة، والاخري: جادّة، اي: الحديث يسخر من الناس المتشبثين بالحياة الدنيا، الا ان، السخرية تجيء حينا من خلال اصطناع لغة الجدّ، وهذا ما يسم الحديث المتقدم، كيف ذلك؟
مما لا شك فيه ان الناس فعلاً أبناء الدنيا، بمعني انهم ولدوا في الدنيا، ولكن لا يعني ذلك ان المولود في الدنيا يحب الدنيا بما انها دنيا، وانما يحب الدنيا اذا افترضنا انه وعي وظيفته في الدنيا وهي: ممارسة الطاعة والالتزام بمبادئ الله تعالي، من هنا، فان الامام علياً (عليه السلام) المح، الي هذا الجانب حينما اوضح - في نص آخر - ان الدنيا هي القائدة الي الآخره، والا فلا تنال الآخرة الا من خلال الدنيا التي تصبح محكا للتجربة وتقود - في حالة نجاح التجربة - الي الآخرة.
بلاغة الحديث
والان مع ملاحظتنا لهذا الجانب يحسن بنا ان ننتقل الي بلاغة الحديث لنتبين طرافته التي رسم من خلال ما هو الجاد بلغة ساخرة، كيف ذلك؟
من الواضح ان السخرية واحدة من أساليب الفن وقد سخر القرآن الكريم من المنحرفين مثلاً عند ما قال «ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ»، والامام عليّ (عليه السلام) يستخدم أحد اساليب السخرية عندما يفترض ان الناس ابناء الدنيا، وما داموا ابناء الدنيا فانهم لا يلامون علي حبّ امّهم. هنا، تكون سخريته (عليه السلام) حيث يعترض ويتعجب من الناس وهم يتشبثون بحب الدنيا، وهي تشبث الأم بطبيعة الحال لانها تقود ابناء ها الي الجحيم من هنا فان القارئ للحديث سوف يتذوق بلاغة النص (ليس من خلال ايقاعه وصوره من تشبيه واستعارة ورمز) بل من خلال سخريته من هؤلاء الذين يلامون في الواقع علي حبّ الدنيا، ولكن الامام (عليه السلام) استخدم (عدم اللوم)، يشير الي (اللوم)، وهكذا من خلال التضاد يكسب الامام (عليه السلام) هذا الحديث طرافته وبلاغته وعمقه.