نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): أحيي معرفك بإماتته.
دلالة الحديث
هذا الحديث ينطوي على دلالات في غاية الاهمية، من حيث انعكاساته على الشخصية دنيواً واخروياً، اي: ما يترتب عليه من العطاء على من يصنع معروفا ً الى الآخرين، الا انه يخفيه ولا يظهره، فلو ساعدت شخصاً ما مثلاً بمبلغ من المال، او باية مساعدة مادية او معنوية، فعليك ان تساعده بنحو خفي بحيث لا يطلع عليه احد، بل اذا قدر لك بان تساعده دون ان يعرف الشخص المصدر الذي ساعده، وهذا ما نلحظه في سلوك المعصومين (عليهم السلام)، حيث كانوا يغطون اوجههم بأيديهم حتى لا يعرفهم السائل وقد اوضح الامام علي (عليه السلام) هذا الجانب من خلال حديث فني بالغ الدلالة في صياغته البلاغية وهو عبارة: احيي معروفك بإماتته.
بلاغة الحديث
يمكنك ان تتبين بلاغة هذا الحديث من خلال الصياغة الجمالية له، حيث اعتمد اولاً على ظاهرة (التضاد) من خلال (التماثل)، اي: الاعتماد على الشيئين اللذين يضاد حدهما الآخر: كالاحياء والاماتة، فالحديث يستهدف الاشارة الى اخفاء المعروف او عدم المنّ به مثلاً، فقال: احي هذا المعروف وهو ما يترتب عليه من الاثابة من الله تعالى من خلال اماتتك اياه، اي: اجعله بشكل سري لا يعرف احد بذلك: سواء اكان الآخر هو الشخص الذي يتسلم المساعدة او غيره من الناس.
ومن الواضح، انك اذا قارنت بين الشيء وضده تكون قد عرفت الشيء اكثر، ولذلك عندما قال الحديث: احي المعروف بما هو ضده الاماتة يكون الحديث بذلك قد بلغ منتهى بلاغة ودلالة.
بقي ان نوضح لك جانب آخر من الحديث الا وهو: اعتماده على الاستعارة الفنية، اي: الحديث نسجه الامام بصورة استعارية وليس بصورة مباشرة، فخلع على مفهوم السرية في تقدم المعروف طابع (الاماتة)، وخلع على مفهوم الثواب المترتب على المعروف طابع (الاحياء)، لان الله تعالى هو الذي يثيب الشخصية التي تقدم لمعروف من اجل الله تعالى وليس من اجل السمعة الاجتماعية، وهذا ما ينطبق عليه مفهوم (الاحياء) للمعروف، كما هو واضح.