السلام عليكم ورحمة الله، تحية طيبة، يسرنا أن نلتقيكم في حلقة أخري من هذا البرنامج، نستنير فيها بأنوار معرفة أهل بيت النبوة وأخلاقهم ووصاياهم (سلام الله عليهم).
من جميل الأوصاف البليغة التي تعرفنا بمكانة ودور العترة المحمدية في حياة المسلمين ما روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله): أنه قال: اجعلوا أهل بيتي منكم الرأس من الجسد ومكان العينين من الرأَس، فإن الجسد لا يهتد إلا بالرأس ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين.
جعلنا الله وإياكم من العاملين بهذه الوصية المحمدية المباركة والعارفين بحقوق أهل بيت النبوة سلام الله عليهم، فقد روي عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا، عنه (صلي الله عليه وآله): سراج المؤمن معرفة حقنا، وأشد العمي من عمي عن فضلنا، وعن الإمام علي (عليه السلام) قال: نحن باب حطة وهو باب السلام، من دخله نجا، ومن تخلف عنه هوي، عنه (عليه السلام): ألا إن العلم الذي هبط به آدم وجميع ما فضلت به النبيون إلي خاتم النبيين في عترة خاتم النبيين، فأين يتاه بكم أَيْنَ تَذْهَبُونَ؟ يا معشر من فسخ من أصحاب السفينة، فهذا مثل ما فيكم، وإنهم ما فيكم، فكما نجا في هاتيك منهم من نجا وكذلك ينحو في هذه منكم من نجا، ورهن ذمتي، وويل لمن تخلف عنهم، إنهم فيكم كأصحاب الكهف، ومثلهم باب حطة، وهم باب السلم، في قوله تعالي: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ».
وكيف لا تكون النجاة في إتباعهم عليهم السلام وهم أهل الإيثار الذين نص القرآن الكريم عن سمو عطائهم في القصة المعروفة فقد روي عن ابن عباس قال: إن الحسن والحسين مرضاً، فعادهما رسول الله (صلي الله عليه وآله) في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت علي ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة - جارية لهما - إن برئا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي ثلاث أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص علي عددهم، فوضعوا بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل فقال: السلام عليكم أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلا الماء، وأصبحوا صياما. فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم، فآثروه. ووقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك. فلما أصبحوا أخذ علي (عليه السلام) بيد الحسن والحسين وأقبلوا إلي رسول الله (صلي الله عليه وآله)، فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال: ما أشد ما يسوؤني ما أري بكم! وقام فانطلق معهم فرأي فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبرئيل وقال: خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك، فأقرأه سورة هَلْ أَتَى المعروفة بسورة الدهر أو الإنسان وفيها آية: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» التي خلدت هذه الحادثة لكي تكون مناراً وأسوة للمؤمنين الي يوم القيامة.
ولنتدبر معاً في الحديث الشريف التالي المعبر عن سمو الأخلاق الإلهية في العترة المحمدية فقد روي عن مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) قال في كتابه للفضل بن سهل: إن من دينهم [أي الأئمة (عليهم السلام)] الورع والعفة، والصدق والصلاح والاجتهاد، وأداء الأمانة إلي البر والفاجر، وطول السجود، والقيام بالليل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن الصحبة وحسن الجوار، وبذل المعروف، وكف الأذي، وبسط الوجه، والنصيحة، والرحمة للمؤمنين.
وعنه (عليه السلام): إنا أهل بيت نري وعدنا علينا دينا كما صنع رسول الله (صلي الله عليه وآله).
وصية جامعة لمن أراد أن يكون من صادقي شيعة محمد وآله صلوات الله عليهم أجمعين، فقد قال الإمام الباقر (عليه السلام): أعينونا بالورع، فإنه من لقي الله عزوجل منكم بالورع كان له عند الله فرج، وإن الله عزوجل يقول: «وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا» فمنا النبي ومنا الصديق والشهداء والصالحون.