قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): أيها الناس، إني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض. ألا وإني سائلكم عن الثقلين، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإن اللطيف الخبير نبأني: أنهما لن يفترقا حتي يلقياني، وسألت ربي ذلك فأعطانيه، ألا وإني قد تركتهما فيكم: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فلا تسبقوهم فتفرقوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم وعنه (صلي الله عليه وآله): أيها الناس، قد بينت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم، وهو أخي علي بن أبي طالب، وهو فيكم بمنزلتي فيكم، فقلدوه دينكم وأطيعوه في جميع أموركم، فإن عنده علم كتاب الله تبارك وتعالي وحكمته، فسلوه وتعلموا منه ومن أوصيائه بعده، ولا تعلموهم ولا تتقدموهم ولا تتخلفوا عنهم، فإنهم مع الحق والحق معهم، لا يزايلونه ولا يزايلهم.
كانت هذه وصية نبوية بالتمسك بعري الثقلين القرآن والعترة المحمدية، وثمة وصية أخري نستلهمها عن سيرته (صلي الله عليه وآله)؛ وهي وصية بصدق العبودية لله والتواضع قال رسول الله (صلي الله عليه وآله): لقد هبط علي ملك من السماء ما هبط علي نبي قبلي، ولا يهبط علي أحد من بعدي، وهو إسرافيل وعندي جبرئيل، فقال: السلام عليك يا محمد، ثم قال: أنا رسول ربك إليك، أمرني أن أخبرك إن شئت نبياً عبداً، وإن شئت نبياً ملكا؟ فنظرت إلي جبرئيل، فأومأ جبرئيل إلي أن تواضع، فقلت: نبياً عبداً وعن الإمام الباقر (عليه السلام) قال في حديث عن جده المصطفي (صلي الله عليه وآله): ولقد أتاه جبرئيل (عليه السلام) بمفاتيح خزائن الأرض ثلاث مرات يخيره، من غير أن ينقصه الله تبارك وتعالي مما أعد الله له يوم القيامة شيئاً، فيختار التواضع لربه جل وعز.
والحديث التالي يعرفنا بأركان منهج أهل بيت النبوة (صلوات الله عليهم) فهو جديرٌ بكل تأمل:
قال أبو الجارود: قلت لأبي جعفر الباقر (عليه السلام): يا ابن رسول الله، هل تعرف مودتي لكم وإنقطاعي إليكم، وموالاتي إياكم؟
فقال: نعم.
فقلت: فإني أسألك مسألة تجيبني فيها، فإني مكفوف البصر قليل المشي، ولا أستطيع زيارتكم كل حين.
قال: هات حاجتك.
قلت: أخبرني بدينك الذي تدين الله عزوجل به أنت وأهل بيتك لأدين الله عزوجل به.
قال: إن كنت أقصرت الخطبة فقد أعظمت المسألة، والله لأعطينك ديني ودين آبائي الذي ندين الله عزوجل به: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله (صلي الله عليه وآله)، والإقرار بما جاء به من عند الله، والولاية لولينا، والبراءة من عدونا، والتسليم لأمرنا، وانتظار قائمنا، والاجتهاد والورع.
ومن الأحاديث المبينة لصفات الشيعة الصادقين نقرأ لكم ثلاثة أحاديث الأول عن محمد بن الحنفيه قال: لما قدم أمير المؤمنين (عليه السلام) البصرة بعد قتال أهل الجمل، دعاه الأحنف بن قيس واتخذ له طعاماً، فبعث إليه صلوات الله عليه وإلي أصحابه، فأقبل ثم قال: يا أحنف، ادع لي أصحابي، فدخل عليه قوم متخشعون، فقال الأحنف بن قيس: يا أمير المؤمنين، ما هذا الذي نزل بهم؟ أمن قلة الطعام، أو من هول الحرب؟!
فقال صلوات الله عليه: لا يا أحنف، إن الله سبحانه أحب أقواماً تنسكوا له في دار الدنيا تنسك من هجم علي ما علم من قربهم من يوم القيامة من قبل أن يشاهدوها، فحملوا أنفسهم علي مجهودها.
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): امتحنوا شيعتنا عند ثلاث: عند مواقيت الصلاة كيف محافظتهم عليها، وعند أسرارهم كيف حفظهم لها عن عدونا، وإلي أموالهم كيف مواساتهم لإخوانهم فيها.
وأخيراً قال (عليه السلام): إنما شيعة جعفر من عف بطنه وفرجه، واشتد جهاده، وعمل لخالقه، ورجا ثوابه، وخاف عقابه فاذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر.
ونختم هذا اللقاء من برنامج مصابيح الهدي بهذه الرواية التي نقلها العلماء عن المحدث الثقة أحمد بن يحيي الأودي حيث روي بسنده عن المنذر عن الإمام الحسين (عليه السلام): ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله تعالي بها في الجنة حقباً.
قال أحمد بن يحيي الأودي: فرأيت الحسين بن علي (عليهما السلام) في المنام فقلت: حدثني مخول بن إبراهيم عن الربيع بن المنذر عن أبيه عنك أنك قلت: ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلا بوأه الله بها في الجنة حقبا.
قال: نعم.
قلت: سقط الإسناد بيني وبينك.