قل الصحابة غير انّ قليلهم غير القليل.
من معشرٍ ضربوا الخبا
في مفرق المجد الاثيل
وعصابةٌ... عقدت عصابة عزّهم كفّ الجليل
آحادُ قومٍ يحطمون الجمع في اليوم المهول
وردوا علي الظّما الردي
ورد الزّلال السّلسبيل
وثووا علي الرّمضاء من
كابٍ... ومنعفرٍ جديل
الدنيا سفرةٌ نحو الآخرة، والحياة مدارج ونشآت، والانسان يدرج فيها منذ ان يخلق ولم يك شيئاً في تلك العوالم الاولي، حتّي يولد في هذه البسيطة، ثمّ يموت راحلاً عنها الي العوالم الاخري... متارجحاً بين النزعات، والاختيارات... والمواقف، والعواصف... يمتحن ويمضي، ويخسر او ينال، ويوفّق او يحبط! وهكذا يحدّد الانسان سمات حياته ومصائرها من خلال عقيدته وقيمه واخلاقه، ومبادئه ومواقفه.
واصحاب الامام الحسين عليهم السلام، كان لهم توفيقٌ خاصّ اختاروه بمحض ارادتهم، عن ايمان راسخ، وبصيرةٍ نيّرةٍ واعية، وولاءٍ صادق، وضميرٍ غيور، ونفسٍ طيّعةٍ للحقّ عصيّةٍ علي الباطل، وروحٍ متطلّعةٍ الي مرضاة الله تعالي وهي منحصرةٌ يومها الجهاد، ومع سيّد الشهداء فحسب، وفي الشهادة بين يديه لا غير... فتقدّموا بروح التضحية والبسالة والفداء، وعرجوا ببركات الحسين السّبط الي مراقي الرفعة والرضوان والشرف والجنان، بعد ان لبّوا داعي الله، وتجهّزوا للسفر الي الله، بعد ان تحلّقوا حول وليّ الله... فوالوه ونصروه وفدوه. وكان فيهم اخوان مؤمنان؛ هما: الحلاس والنّعمان... ابنا عمرو الازديّ الراسبيّ، رضوان الله تعالي عليهما، فمن هما؟ الحلاس والنعمان ابنا عمرو الازديّ، رجلان من اهل الكوفة، كانا رحمهما الله من اصحاب امير المؤمنين عليّ بن ابي طالب عليه السلام.
و كان الحلاس بن عمرو علي شرطة امير المؤمنين في الكوفة وقد ذكر انّ الحلاس واخاه النّعمان صارا بعد مدّة في الكوفة يفكّران في الخروج منها، حتّي حانت الفرصةُ لذلك، فخرجا معاً الي كربلاء. فما حدث بعد ذلك؟
ارسل الامام الحسين عليه السلام عمرو بن قرظة الانصاريَّ الي عمر بن سعدٍ يطلب الاجتماع به ليلاً بين المعسكرين في كربلاء، فكان اللّقاء، وساله الحسين: يا ابن سعد، اتقاتلني؟! اما تتّقي الله الذي اليه معادك؟! فانا ابن من علمت، الا تكون معي وتدع هؤلاء؛ فانّه اقرب الي الله تعالي.
اعتذر سعدٌ حينها قائلاً: اخافُ ان تهدم داري.
اجابه الحسين: انا ابنيها لك.
طرح العذر الواهي الآخر: اخشي ان تؤخذ ضيعتي اي بستاني قال عليه السلام: انا اخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز.
تقدّم عمر بالعذر الثالث: انّ لي بالكوفة عيالاً، واخاف عليهم من ابن زيادٍ القتل.
فقام الحسين عندها يقول له: ما لك! ذبحك الله علي فراشك عاجلاً، ولا غفر الله لك يوم حشرك، فو الله اني لارجوا الّا تاكل من برّ العراق الّا يسيراً. وكانت العبارات الشريفة نبواءاتٍ في ادعيةٍ مستجابة، وقعت كلّها وحصلت بتفاصيلها، الّا انّ عمر بن سعد تخلّص من الحرج بقوله: في الشعير كفاية، اي عن برِّ العراق وحنطته.
و كان من الامام الحسين صلوات الله عليه اقامةُ الحجج، وليس مجرّد احتجاجات، ولم يكن يطمع باحدٍ من القوم، وهو الذي انبا عن جدّه وابيه انّه الشهيد لا محالة، وصرّح بانه الراحل الي ربّه جلّ وعلا، وقد خطب في مكّة فقال: كانّي باوصالي تقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا... الا ومن كان فينا باذلاً مهجته، موطّناً علي لقاءِ الله نفسه، فليرحل معنا.
وقال: الا ترون الي الحقّ لا يعمل به، والي الباطل لا يتناهي عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله؛ فانّي لا اري الموت الّا السّعادة، والحياة مع الظالمين الّا برما! وكان من مقولات سفره الشريف انّ من لحق بنا استشهد، ومن تخلّف لم يبلغ الفتح.
حمل الامام الحسين عليه السلام في مسيره الي كربلاء حججاً الهيّة، وشروطاً امتحانياً، وخيّر من معه بعد ان جعلهم امام المحجّة البيضاء الناصعة، فقبل الحقّ من قبله مختاراً سعادة حظّه... ومنهم: الحلاس والنعمان ابنا عمرو الازديّ الهجريّ، والغريب انّهما كانا مع عمر بن سعد، اذ كمّا راياه يردّ شروط الامام الحسين ودعوته الحقّة، تحوّلا الي معسكر الحسين عليه السلام، اذ جاءاه ليلاً منضمّين الي جنده الفائزين فيمن جاؤوه ليبلغوا معه وببركته الفتح الالهيّ المبين.
و ليس ذلك فحسب، فقد تقدّما للقتال بين يدي امامهما سيّد شباب اهل الجنّة ابي عبد الله الحسين يستاذنان، فاذن لهما، فقاتلا حتّي استشهدا في الحملة الاولي من معركة طفّ كربلاء، فكانا في عداد الشهداء السّعداء الذين يزارون في خطابهم بلسان حجة الله امام العصر وصاحب الامر، الحجّة المهديّ صلوات الله عليه: السّلام عليكم يا اولياء الله واحبّاءه، السّلام عليكم يا اصفياء الله واودّاءه. السّلام عليكم يا انصار دين الله وانصار نبيّه، وانصار امير المؤمنين، وانصار فاطمة سيّدة نساء العالمين. الُلام عليكم يا انصار ابي محمّد ٍ الحسن الوليّ النّاصح، السّلام عليكم يا انصار ابي عبد الله الحسين الشهيد المظلوم، صلوات الله عليهم اجمعين. بابي انتم وامّي، طبتم وطابت الارض الّتي فيها دفنتم، وفزتم والله فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا. يا ليتني كنت معكم فافوز معكم في الجنان، مع الشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا، والسّلام عليكم، ورحمة الله وبركاته.