إخوتنا الأعزّة المؤمنين... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من خصائص أهل بيت الوحي والرسالة سلام الله عليهم، أنّ أخلاقهم واقعة في مرضاة الله تبارك وتعالى دائماً، فهي سجايا نابعة عن الإيمان الأكمل والتقوى الأتمّ، وعن البصيرة الإلهية، والمعرفة النورانية. ثمّ كانت تلك الأخلاق الشريفة جامعة لعدد من الفضائل في الموقف الواحد، فإلى الكرم والجود – مثلاً – كان منهم العطف والرحمة وحفظ ماء الوجه، وكذلك الإيثار والإكرام والشكر لله والرضى بما قسم وقضى جلّ وعلا.
ولقد كانت أخلاق مولاتنا الصدّيقة فاطمة عليها السلام من أخلاق أبيها وأهل بيتها صلوات الله عليهم وعليها، لنز ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأفاضل... في عدد من المصادر العامّه والخاصة،تجاوزت المئة، منها: (ربيع الأبرار) للزمخشريّ، و(كفاية الطالب) للگنجيّ الشافعيّ، و(أسباب النزول ) للواحديّ... في ظلّ قول الله تبارك وتعالي "يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً" (سورة الإنسان:الاية السابعة) عن الإمامين الصادق والباقر عليهما السلام:
مرض الحسن والحسين عليهما السلام وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله صلى الله عليه واله ومعه رجلان، فقيل لعليّ عليه السلام: لو نذرت في ابنيك نذرا إن الله عافاهما، فقال عليه السلام: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزّوجلّ، وكذلك قالت فاطمة عليها السلام، وقال الصبيان: ونحن أيضا نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضّة.
فألبسهما الله عافية، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليّ عليه السلام إلى جار من اليهود يقال له شمعون يعالج الصوف، فقال له: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير؟ قال: نعم. فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة عليها السلام فقبلت وأطاعت، فغزلت ثلث الصوف، ثمّ أخذت صاعا من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خسمة أقراص، لكلّ واحد قرصاً، وصلى علي عليه السلام مع النبيّ صلى الله عليه وآله المغرب، ثمّ أتى منزله، ووضع الخوان، وجلسوا خمستهم... فماذا كان يا تري؟!
قالت الرواية – أيها الإخوة الأحبّة –: أوّل لقمة كسرها الإمام علي عليه السلام، إذا مسكين قد وقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنة. فوضع اللقمة من يده، وعمدت فاطمة إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً، وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلّا الماء القراح. ثمّ عمدت عليها السلام إلى الثّلث الثاني من الصوف فغزلته، ثمّ أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خسمة أقرصة... فلمّا وضع الخوان بين يدي عليّ عليه السلام... إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا يتيم من يتامى المسلمين... فوضع عليّ عليه السلام اللقمة من يده، ثمّ عمدت فاطمة فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذقوا إلّا الماء القراح وأصبحوا صياماً. وتكرّر الأمر في اليوم الثالث، إذ جلسوا خسمتهم، فإذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال:
السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشّدوننا ولا تطعموننا، فوضع عليّ عليه السلام اللقمة من يده، وأقبلت فاطمة عليها السلام تعمد إلى ما كان على الخوان فأتته، وباتوا جياعاً، وأصبحوا في اليوم الرابع مفطرين وليس عندهم شيء.
وروي أنّ علياً عليه السلام أقبل بالحسن والحسين عليهما السلام نحو رسول الله وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع... ثمّ انطلقوا إلى فاطمة وهي في محرابها قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع،وغارت عيناها، فلمّا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله ضمّها إليه وقال: " وا غوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أري" ، فهبط جبرئيل يقول: يا محمّد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك: " يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً{۷} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً{۸} إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً{۹}" (سورة الإنسان).