انتهينا في لقائنا السابق الى مقطع جديد من دعاء العهد، وهو الدعاء الذي يتلى في الصباح، ويندب الى قراءته دوماً (لا اقل من اربعين صباحاً)، وذلك لتعجيل ظهور الامام المهدي عليه السلام،.. المقطع الجديد من الدعاء، ويبدأ بقول الامام الصادق عليه السلام صاحب الدعاء وهو يعلمنا ان ندعو الله عزوجل قائلين: (اللهم ارني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني اليه...) هنا قبل ان نحدثك عن هذا المقطع الجديد، نذكرك بمقاطع الدعاء وتسلسلها الموضوعي، حيث بدأ بتمجيد الله تعالى والاشادة بابداعه للكون من جملة ظواهر، ثم بمقطع يتحدث عن صفاته تعالى، بخاصة في سمات من نحو: الحيّ، والمميت (حيث ان موضوع الدعاء اساساً هو: لندب شخصية العصر الامام المهدي عليه السلام وهو الحي والتعجيل بظهوره)، ثم تبليغ قارئ الدعاء الصلوات لامام زمانه عليه السلام بزنة عرش الله تعالى وسائر ظواهر الكون الوافرة عدداً، ثم تجديد الميثاق بنصرة الامام عليه السلام، ثم بالتوسل بالله تعالى بان يحيي قارئ الدعاء في حالة مااذا ادركه الموت ولم يدرك ظهور صاحب العصر عليه السلام مع ملاحظة صلة هذا التوسل - اي احياء الميت من خلال الرجعة التي حدثناك عنها في لقائنا السابق- صلة ذلك بالصفات التي اكدها الدعاء اي: (صفة الحيّ، وصفة المميت)، ثم التوسل بالله تعالى بان يوفق صاحب الدعاء بالفوز برؤية الامام عليه السلام، وهذا هو موضوع المقطع الجديد من الدعاء..
هنا قد يتساءل قارئ الدعاء: لماذا يطلب الداعي رؤية الامام عليه السلام مع ان توسله بالله تعالى بان يجعله من انصار الامام والمتمثلين لاوامره: يتضمن رؤية الامام عليه السلام بالفعل؟..
للاجابة عن السؤال المتقدم، وما تتضمنه الاجابة عن نكات متنوعة، يجدر بنا ان نفصل كلامنا حول الموضوع..
من الواضح ان رؤية الامام عليه السلام بغض النظر عن سائر ما يرتبط بموضوع النصرة وسواها تظل ذات اثر نفسي وروحي وعقلي وعبادي بالنسبة الى قارئ الدعاء، فاذا كان النظر - كما ورد في النصوص الشرعية - الى وجه العالم العادي عبادة، فكيف بالنظر الى الامام المعصوم عليه السلام، هذا بالاضافة الى ان دعاء العهد والامر كذلك بالنسبة الى سائر الادعية والنصوص الشرعية انها تتحدث مرة بنحو اجمالي، وتتحدث بعدها بالتفصيل، او بعكس ذلك، وكلها اساليب نفسية تترك اثرها في تثبيت الموضوعات او المفهومات في الذهن: من خلال الاجمال، ومن خلال تفصيله، ومن خلال تكراره: لكن وفق اسلوب آخر.. والمهم الآن هو: متابعتنا لموضوع الامام المهدي عليه السلام بعد ان اوضحنا اسلوب الدعاء بنحو سريع، في ندبه لشخصية العصر عليه السلام..
يقول مقطع الدعاء (اللهم ارني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة).. ترى: ماذا يستخلص قارئ الدعاء من هذا الكلام؟ انه اي قارئ الدعاء يتطلع الى رؤية الامام عليه السلام، والمعروف ان اياً منا حينما يرى الاخر فان الوجه وملامحه هو المرئي عادة.. ولذلك نتساءل: لماذا تحدث الدعاء عن الطلعة وكونها رشيدة لاسواها من الاوصاف؟ ثم لماذا تحدث ايضاً عن الغرة وكونها حميدة دون غيرها من الاوصاف؟ ثم: ما هي الطلعة وبما تتمايز عن الغرة؟ هذه الاسئلة قد لايعنى بها قارئ الدعاء.. ولكن أليس من الافضل له ان يفهم ويستوعب ما ينطق به بخاصة وانه يتطلع الى رؤية الامام عليه السلام؟
لنتقدم اولاً باستخلاص معنى الكلمات الاربع: الطلعة، الغرة، الرشيدة، الحميدة.. اما السمتان الاخيرتان اي: الرشيدة والحميدة فمعناهما واضح من حيث الدلالة العامة، بصفة ان الرشيد هو من الرشد خلاف الغي، اي: الحق، واما الحميد فهو من الحمد اي: الغرة المحمودة.. واما الطلعة والغرة، فان اولاهما: تعني: الرؤية او المرأى او الظاهر من الاشياء، بينما الغرة، هي: البياض، او اول ما يبدو من الوجه، ونحو ذلك.. والآن: اذا عرفنا الدلالات اللغوية لهذه الكلمات: حينئذ نتساءل: لماذا توسل الدعاء بالله تعالى بان يرينا الطلعة والغرة دون سواهما، ولماذا وصفهما بالرشيدة والحميدة؟.. الاجابة عن هذا السؤال ليست عادية بل تتطلب مزيداً من التوضيح، ولابد ان تكون هناك نكات في هذه العبارات، والا كان بمقدور الامام الصادق عليه السلام منشيئ الدعاء ان يقول مثلاً: اللهم ارنا الامام المهدي عليه السلام دون الحاجة الى ذكر الطلعة والغرة وصفتهما الرشيدة والحميدة..
اذن سنحدثك انشاء الله تعالى عن هذا الجانب في لقاء لاحق.. لكن ينبغي الا يفوتنا المعنى العام لهذا المقطع من الدعاء وهو: رؤية الامام عليه السلام بتعجيل ظهوره، والدعاء بهذا المعنى، ثم: تعديل سلوكنا وتدريب ذواتنا على الطاعة.
*******