البث المباشر

من محاضرات المراجع تحت عنوان "بين التّشاؤم والتّفاؤل في شهر صفر"

الجمعة 4 أكتوبر 2019 - 14:58 بتوقيت طهران
من محاضرات المراجع تحت عنوان "بين التّشاؤم والتّفاؤل في شهر صفر"

من محاضرة للمرحوم العلامة المرجع آية الله السيد محمد حسين فضل الله بتاريخ 25 / 9 / 1987 قال فيها:

نستقبل في هذه الأيّام شهر صفر، هذا الشهر الذي ارتبط لدى الكثيرين من الناس بأفكار تتحرك به في خط التشاؤم، فهناك جماعة من الناس يعتبرون أنّه شهر نحس، يخافون فيه القيام بأي مشروع مهمّ في حياتهم، لأنهم يخافون أن يفشل، على أساس أنّ هناك نحساً في أيامه، كما يتشاءم البعض في آخر أربعاء من كلّ شهر، فلا يمارسون فيه أيّ عمل، لأنهم يخافون من النّتائج السّلبيّة لهذا العمل.

وإننا نريد أن نواجه هذه المسألة – مسألة التشاؤم – أو التشاؤم بالأشخاص أو الحيوانات وغير ذلك، نريد أن نثير هذه الأمور التي دخلت في نفسية الناس، فخلقت لهم مشاكل نفسيّة، بحيث تحوَّلت نظرتهم للأشياء إلى نظرة معقّدة، تحاول أن تستعير من خلال ما يحوطها نظرة التشاؤم أمام المستقبل، أو التفاؤل بالمستقبل، وبهذا يعطّل كثير من الناس مشاريعهم وقضاياهم، على أساس أنَّ هذا اليوم يوم شؤم وذاك اليوم يوم نحس، وأنّ هذا البيت بيت مشؤوم، وأنّ تلك عائلة مشؤومة...

كيف نفهم المسألة من وجهة نظر إسلاميّة، لأننا نريد أن نصوغ نفسيّاتنا وحركتنا في الواقع على أساس الخطِّ الإسلاميّ العام، فماذا نرى؟ عندما ندرس شخصيَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ الّذي هو هدانا ونبيّنا وإمامنا وقائدنا الذي أرادنا الله أن نقتدي به ونتأسّى به... فماذا نقرأ في سيرته؟ نقرأ أنّه كان يحبّ الفأل ويكره الطيرة، والطّيرة هي التّشاؤم... وهكذا رأينا في القرآن الكريم: {قَاْلُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ}، بمعنى إنَّا تشاءمنا بكم.

وهكذا كان الرّسول يحبّ أن يتفاءل بما حوله من الأشياء، حتى يكون في حياته كلّها منطلقاً من خلال الثّقة بالنجاح في المستقبل، وكان يكره الطّيرة والتّشاؤم، ويرفض أن يتشاءم بكلّ ما يتشاءم به النَّاس، لأنّ التشاؤم يجمّد حركة الإنسان ويدفعه إلى التراجع، ويبعث في نفسه النظرة السّلبيّة اليائسة في المستقبل، وهذا ينطلق في فكر رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ من فكرة إسلاميّة.

لماذا كان يحبّ الفأل ويكره الطيرة؟ لأنه ـ صلى الله عليه وآله ـ علّمنا أن نثق بالله، وأن ندرس الأمور من خلال طبيعة عناصر النجاح والفشل في داخلها، وأن ندرس الأمور مع الناس الآخرين فنتشاور معهم، فإذا رأينا عناصر الخير في داخل المشروع أو في داخل العمل، أو في داخل الحركة، متوفّرة، واقتنعنا بذلك، فإنّ علينا أن نتوكّل على الله {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر فَإِذَا عَزَمْتِ - من خلال دراستك للأمر ومشاورتك للنّاس واقتناعك به... – فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ} انطلق من موقع الثقة بالله، وتحرّك على أساس الصّقة به تعالى.

فمسألة أن تكون متفائلاً بالحياة، هي مسألة أن تكون واثقاً بالمستقبل، وواثقاً بنفسك من خلال ثقتك بربّك الّذي جعل لكلّ شيء سبباً، ودلّ الإنسان على الأسباب الّتي تجعله يصل إلى النّتائج. عندما تثق بالله، وتدرس كلّ القوانين والظّروف التي تجعل الفكرة ناجحة في نفسك، فتوكّل على الله. وقد ورد في الحديث: "ثلاث لا يسلم منها أحد؛ الطيرة، والحسد، والظنّ.. فإذا تطيَّرت فامضِ – لا تتوقّف أمام أفكار التشاؤم وبادر للتحرّك، وقد ورد في بعض الأحاديث: "كفّارة التطيّر التوكل"، يعني أن التشاؤم بمعنى الخطيئة ويشبه حالة الخطيئة. وإذا ظننت فلا تحقّق – فلا تحوّله إلى حقيقة – وإذا حسدت فلا تبغِ" لا تعتدِ على الّذي حسدته.

وقد ورد في حديث عن بعض أئمّة أهل البيت ـ عليهم السَّلام ـ في التحدّث عن عقليّة التشاؤم بآخر أربعاء في الشّهر: "من خرج يوم الأربعاء لا يدور خلافاً على أهل الطيرة، وقي من كلّ آفة، وعوفي من كلّ عاهة، وقضى الله له حاجته". يعني أن الله يثيبه على تمرّده على عقليّة التطيّر.

وعلى هذا الأساس، فلا بدّ لنا كمؤمنين مسلمين أن نتخفَّف من هذه الأفكار التي تتحرك في حياتنا لتعطّل الكثير من أعمالنا، على أساس أنّ هذا اليوم شؤم، وذاك نحس، وقد ورد في الحديث: "لا تعادوا الأيّام فتعاديكم".

ومن خلال ذلك، ننطلق إلى فكرة التّشاؤم والتفاؤل، إنّنا في الوقت الذي نرفض التشاؤم، لا يعني ذلك ترك الأشياء أو عدم دراستها، هناك فرق بين أن تكون إنساناً واقعيّاً يدرس الواقع من خلال كلّ مفرداته وعناصره، فإذا رأى المشروع ناجحاً من خلال الظروف ومن خلال الدّراسة، عمل على إنجاحه، أو فاشلاً تركه. إنك عندما تتراجع عن بعض المشاريع أو عن بعض الأفعال أو عن بعض العلاقات، انطلاقاً من عدم توفر العناصر الضرورية في نجاح هذا المشروع، لا تكون متشائماً، بل تكون واقعياً، إنّ الله يريدك أن تنطلق في الواقع من موقع الدّراسة. المتشائم هو الإنسان الّذي استكمل دراسة الأمور من جميع الجهات، ثمّ خرج، فرأى غراباً أمامه، أو قيل له اليوم الأربعاء، أو هذا يوم سبت، أو ما إلى ذلك، وتراجع على هذا الأساس، إنّك بهذا تكون متشائماً، على أساس أنك توقّفت عن العمل لشيء لا ربط له بالعمل كليّاً ولا بعناصر العمل... فرق أن لا تتحرّك لأنّ هناك شيئاً لا علاقة له بالعمل يثير في داخلك خوفاً، وبين أن لا تتحرَّك لأنّ هناك عدم توفر عناصر العمل والظّروف. أن تكون متفائلاً، أن تدرس الأمور من مواقعها التي تفتح لك باب الأمل، وتدرسها أيضاً من مواقعها الّتي قد تضع هناك مشاكل في طريق هذا الأمل، من خلال العناصر الحقيقيّة للأشياء...

إنّ علينا أن نكون متفائلين واقعيّين، ننفتح على المستقبل من خلال الثّقة بالله، ومن خلال دراسة المشاريع التي يريدنا الله أن ندرسها بكلِّ دقّة قبل أن ننتقل نحو المستقبل، فلا نخاف أيّة مفاجآت ولا أيّ حسابات غير منتظرة، وهذا ما يجعل الأمَّة واثقة بنفسها ومستقبلها، من خلال عناصر الثقة الكامنة في ذاتها، ومن خلال إيمانها بالله.

وعلى هذا، نستقبل شهر صفر، لا لنتعقَّد منه... بل نستقبله كما نستقبل كلّ الشّهور، وقلوبنا مملوءة بالثقة بأنَّ الله سيفتح لنا كلَّ أبواب الأمل والمستقبل.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة