بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمدُ لله عدد النّعم والآلاء، وأشرف الصّلوات الزاكيات على سيّد الأنبياء، المصطفى وعلى آله الأئمّة الأولياء. إخوتنا الأعزّة المؤمنين السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حيّاكم الله، وأهلاً بكم في رحاب القرآن الكريم، ورحاب فضائل آل النبيّ العظيم صلى الله عليه وعليهم جميعاً. وقد بلغت رحلتنا أيّها الإخوة الأفاضل الى (سورة الرّحمن) حيث استوقفتنا هذه الآيات المباركات فيها: بسم الله الرحمن الرّحيم: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ{۱۹} بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ{۲۰} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{۲۱} يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ{۲۲} فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ{۲۳}" صدق الله العليّ العظيم. فما هو المعنى العامّ لهذه الآيات الشريفة؟ ثمّ ما علاقتها بأهل بيت المصطفى صلى الله عليه وعليهم؟ الى بيان ذلك والتعرّف عليه، بعد هذه الوقفة القصيرة.
إخوتنا الأكارم كتب الشيخ الطبرسيّ في (مجمع البيان في تفسير القرآن) بعد ذكره مقولات المفسّرين، وكلمات أهل التأويل قد روي عن: سلمان الفارسيّ، وسعيد بن جبير، وسفيان الثّوريّ: أنّ البحرين هما عليٌّ وفاطمةُ عليهما السلام، بينهما برزخٌ هو محمّدٌ صلى الله عليه وآله، يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان: أي الحسنُ والحسين عليهما السلام. ثمّ علّق الطبرسيّ على ذلك بقوله: ولا غروَ أن يكون عليٌّ وفاطمة عليهما السلام بحرين؛ لسعة فضلهما، وكثرة خيرهما، فإنّ البحر يسمّى بحراً لسعته.
وجاء في (تفسير النور المشتعل، المقتبس من كتاب: ما نزل من القرآن في عليٍّ عليه السلام) للحافظ أبي نعيم الأصفهاني (المتوفّى سنة ٤۳۰ هجريّة) وهو من مشاهير علماء أهل السنة: بعد سندٍ طويل وموثّق، عن السدّيّ، عن أبي مالك، عن ابن عبّاس رضي الله عنه في قوله عزّوجلّ: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ"، قال: عليٌّ وفاطمة، "بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ" النبيّ صلى الله عليه وآله وسلّم"يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" قال: الحسنُ والحسين.كذا روى عنه الحافظ السيوطيُّ الشافعيّ في كتابه الشهير: (الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور)، بعين ما جاء في (النور المشتعل).
أمّا الحاكم الحسكانيّ الحنفيُّ المذهب، فقد روى عنه في كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التأويل) شيئاً قريباً منه، ففي ظلّ قوله تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ" قال: عليٌّ وفاطمة، أمّا في ظلّ قوله تعالى: "بينهما برزخٌ لا يبغيان" فقد قال ابنُ عبّاس: حبٌّ دائمٌ لا ينقطع ولا ينفذ، والّلؤلؤ والمرجان: الحسن والحسين.
والصحابيُّ الأشهرُ الآخر أيّها الإخوةُ المؤمنون هو أبو ذرّ الغفّاريّ، وقد كان له هو الآخرُ بيانه، نقله عنه الشيخ سليمان القندوزيُّ الحنفيّ في كتابه (ينابيع المودّة لذوي القربى)، حيث كتب فيه: في (المناقب للخوارزميّ الحنفيّ): عن جعفر الصادق عليه السلام قال: كان أب وذرٍّ رضي الله عنه يقول: إنّ هذه الآية: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ* بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ* يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" نزلت في النبيّ صلى الله عليه وآله، وعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فلا يحبّهم إلاّ مؤمن، ولا يبغضُهم إلاّ كافر، فكونوا مؤمنين بحبّهم، ولا تكونوا كافرين ببغضهم، فتلقون في النار. والأشهر من الصحابة أيضاً: سلمان الفارسيُّ المحمّديّ، وقد روى عنه الحاكم الحسكانيّ في (شواهد التنزيل) عين ماروى عن ابنِ عبّاس، أنّ تأويل البحرين: عليُّ وفاطمة، والبرزخ: هو النبيّ، واللؤلؤ والمرجان: هما الحسنُ والحسين صلوات الله عليهم أجمعين. وإذا كان هؤلاء الصحابة قد عرف حبُّهم لأهل البيت عليهم السلام، فإنّه لم يعرف ذلك في الصحابيّ أنس بن مالك، ومع ذلك كان أقر ّبما اشتهر من تأويل الآيات المباركات، كيف؟ كتب الحافظُ السيوطيّ في (الدرّ المنثور): أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك في قوله تعالى: "مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ" قال: عليٌّ وفاطمة، "يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ" قال: الحسنُ والحسين. كذلك روى عين هذا: المحدّث الشبلنجيُّ الشافعيّ في كتابه (نور الأبصار بمناقب آل بيتِ النبيّ المختار).
والى تتمّة الحديث حول هذه الفضيلة الإلهيّة التي توّج بها أهل البيت، ومنهم فاطمة الزهراء عليها وعليهم السلام، نستودعكم الله أيّها الإخوةُ الكرام والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.