يا نفس يا نفس، ان عليك مراماً كاتبين يحصون اعمالك ويكتبون سيئاتك وحسناتك ومن ورائهم رب محيط لا يغيب عنه شيء من خطراتك ولحظاتك.
فأعدي ليوم القيامة وقبل الحسرة والندامة لكل سؤال جواباً وللجواب صواباً.
يا نفس واحذري ناراً قعرها بعيد وحرها شديد وأغلالها من حديد إذا قيل لها إمتلأت قالت: هل من مزيد.
وقودها الناس والاحجار حامية
لا تنطفي ابد الآباد تلتهب
يا نفس يا نفس، تفكري في الحديث المأثور والخبر المشهور عن السراج المنير والبشير النذير أنه اذا بلغ العبد من مدة عمره من السنين اربعين ناداه مناد من عند الجليل يهتف في قلبه أن قدنا الرحيل، فإعد الزاد ليوم المعاد.
ثم ان الرب الجليل يأمر حينئذ كاتبي اعماله بان يدققا في الاحصاء والمناقشة والاستقصاء:
وما اقبح التفريط في زمن الصبا
فكيف به والشيب للرأس شامل
يا نفس يا نفس، اذا سرك ان تذوقي حلاوة العبادة والتسبيح والذكر والتمجيد، فأجعلي بينك وبين شهوات الدنيا جداراً من حديد، واعلمي ان الصبر على طاعة المجيد الحميد أهون من الصبر على عذابه الشديد، وان المداوي جرحه يصبر على مر الدواء مخافة ان يطول به الداء، فاصبري يا نفس على عمل لا غنى لك عن ثوابه وتورعي عن عمل لا صبر لك على عقابه:
رجعت الى نفسي بفكري لعلها
تفارق ما قد غرها وأذلها
فقلت لها يا نفس ما كنت آخذاً
من الارض لو اصبحت املك كلها
فهل هي الا شبعة بعد جوعة
والا منى قد حان لي ان أملها
ومدة وقت لم يدع مر ما مضى
علي من الايام الا اقلها
ارى لك نفساً تبتغي ان تعزها
ولست تعز النفس حتى تذلها