بسم اللهِ الرّحمن الرّحيم، الحمدُ لله الّذي لا إله إلاّ هو الملك الحقُّ المبين، وأشرف الصّلاةِ والسَّلام على المصطفى حبيب إلهِ العالمين، وعلى آله الهداة الميامين. إخوتنا الأعزّةَ المؤمنين .. السَّلام عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه، حييتُم وطابت أيامكم، وأهلاً بكم في رحابٍ قرآنية - فاطميةٍ عابقة. فقد اقترن في عقيدة المسلمين كتابُ الله تبارك وتعالى مع عترة النبيِّ وأهل بيته ـ صلوات الله عليه وعليهم ـ لتوارد حديث الثَّقلين على أسماعهم من فمِ رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وتناقله متواتراً عن جلّ الصحابة حتى بلغ الشُّهرة والشياع، ولأنّ البيت النبويَّ المبارك هو مهبطُ الوحي والتنزيل، بينهم نزلتِ الآياتُ وفي أكنافِ حُجُراتهم، فهُم أدرى بمناسبتها، وهُم أعملُ بأحكامها وعقائدها، وهُم أعلمُ بمعانيها ومقاصدها. روى الشيخُ الكلينيُّ، في (الكافي) والصفّارُ القميُّ، في (بصائرالدرجات) أنّ رجلاً لقيَ الحسينَ ـ عليه السَّلام ـ بالثعلبية وهو يريد كربلاء، فدَخَل عليه فسلّم عليه، فقال له الحسينُ ـ عليه السَّلام: "من أيِّ البلادِ أنت؟"، قال: من أهلِ الكوفة، فقال ـ عليه السَّلام ـ للرجل: "أما واللهِ يا أخا أهلِ الكوفةِ لو لقيتُك بالمدينة لأريتُك أثَرَ جبرئيلَ ـ عليه السَّلام ـ من دارنا، ونُزولِهِ بالوحي على جدّي. يا أخا أهلِ الكوفة، أفمستقى الناسِ العلمَ من عندنا فعلموا وجَهِلنا؟! هذا ما لا يكون! ".
*******
ومن هنا - أيها الإخوة الأفاضل - جاءت الرواياتُ النبويةُ الشريفة، تقول: "عليٌّ مع القرآن، والقرآنُ مع عليّ"، كذلك أهلُ البيت – وهم نورٌ إلهيٌّ واحد، ومنهم الصدّيقةُ الكبرى فاطمة الزهراء ـ صلوات الله عليها وعليهم - هم جميعاً مع القرآنِ والقرآنُ معهم جميعاً، جاء للناس يعرّفهم بشيءٍ من فضائلهم، ومناقبهم ومنازلهم، وعلوِّ شأنهِم عند الله وبعض مقاماتهم، ونُبذٍ من كراماتهم... فكان من ذلك ما ورد في أمر أبينا آدمَ ـ عليه السَّلام ـ قولُه تبارك وتعالي: " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة :۳۱) وقولُه جلّ وعلا: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (البقرة: ۳۷). فما تلك الأسماءُ يا تري، وما تلك الكلمات، ولماذا؟ في ظلّ قوله عزّ من قائل: "فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ" قيل: أي قَبِل آدمُ وأخَذَ وتناول على سبيل الطاعة، من ربّهِ وربِّ كلِّ شيء. وفي ظلّ الكلمة المباركة {كلماتٍ} احتمل المفسّرون فيها احتمالاتٍ عديدة: منها قولُ آدم ـ عليه السَّلام ـ في توبته: "اللّهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمتُ نفسي فاغفر لي إنّك خيرُ الغافرين. اللهمّ لا إله إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربّ إنّي ظلمتُ نفسي فارحمني إنّك خيرُ الراحمين. اللهمّ لا إلهَ إلاّ أنت سبحانك وبحمدك، ربِّ إنّي ظلمتُ نفسي، فتُب عليَّ إنّك أنت التوّاب الرحيم". ومن الاحتمالات أيضاً أنّ الكلمات كانت قولَه ـ عليه السَّلام:"سُبحان الله، والحمدُ لله، ولا إلهَ إلاّ الله، واللهُ أكبر". ولا شك –أيها الإخوةُ الأحبّة- أنّ هذه الكلمات هي عباراتٌ مقدّسة وشريفة، ولكنّ روايتها تبقى في تفسير الاحتمالات، أماّ أهلُ البيت ـ عليهم السَّلام ـ وهم أدرى بما في بيتهم، لهم رواياتٌ أخرى يتقبّلها جلّ العلماء المسلمين، من محدّثيهم ومفسّريهم، خُلاصتُها أنّ آدمَ ـ عليه السَّلام ـ لمّا أراد أن يتوب - ولم يكن له ذنبٌ إلاّ تركه الأولى - رأى مكتوباً على العرش أسماءً معظّمةً مكرّمة، فسأل عنها، فقيل له: هذه أسماءُ أجلّ الخلق منزلةً عند الله تبارك وتعالي، فتوسّل بها إلى ربّهِ عزّ شأنهُ في قبول توبته، ورفعِ منزلته، فتاب اللهُ بها عليه. فما تلك الأسماء، ومن أيد ذلك ورواه؟
*******
لضيق المقام – أيها الإخوةُ المكارم - نكتفي هنا بما جاء في (ينابيع المودّة لذوي القربي) للشيخ سليمان القندوزيّ ـ الحنفيِّ المذهب ـ و(مناقب عليّ بن أبي طالب) لابن المغازليّ -الشافعيِّ المذهب- بسندٍ ينتهي إلى التابعيِّ الجليل سعيدِ ابنِ جُبير -الشهيد على يد الحجّاج السفّاك ـ حيث روى سعيدٌ هذا -رضوانُ الله عليه- عن الصحابيّ المعروف ابنِ عبّاس أنّه سأل النبيَّ الأكرم -صلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسلّم- عن الكلماتِ التي تلقّاها آدمُ من ربّه، فتاب عليه، فما كان من جواب رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ على سؤال عبدالله بن عبّاس، إلاّ أن قال له: "سألَه بحقّ محمّدٍ وعليٍّ وفاطمةَ والحسن والحسين...إلاّ تُبتَ عليَّ، فتاب عليهِ وغفر له".
*******