البث المباشر

زينب الصغرى بنت امير المؤمنين عليهما السلام

الأربعاء 18 سبتمبر 2019 - 11:52 بتوقيت طهران

سلام من الله عليكم أيها الإخوة والأخوات ورحمة منه وبركات. أزكى التحيات نهديها لكم في مطلع حلقة اليوم من هذا البرنامج.
إنها الحلقة الثانية عشرة ونخصصها للحديث عن شهيدة علوية مكرمة خلّد الله مرقدها في آخر منازل ركب السبي المحمدي في العراق قبل أن يدخل مدن الشام. إنها العلوية الصابرة مولاتنا زينب الصغرى بنت أميرالمؤمنين عليهما السلام.
أيها الأكارم، على الربوة المباركة في جبل سنجار القريب من الحدود العراقية السورية يقع أحد مشاهد شهداء السبي العريقة التي خلدها الله بقدرته نصرة لهم وإبانة لكرامتهم عليه وشاهداً حياً على مظلوميتهم الفجيعة.
إنه مشهد السيدة الجليلة زينب بنت علي – عليهما السلام – الذي عرف منسوباً إليها – عليها السلام – منذ القرون الهجرية الأولى وابتدأ أمره بمرور ركب السبايا المحمديين بمدينة سنجار بعد واقعة عاشوراء، وهم يساقون الى طاغية الشام، حيث أنزلوا على جبل سنجار المشرف على المدينة. 
وهذا ما يستفاد من النصوص التأريخية العديدة والمشاهدات الميدانية والموروث لدى أهالي المنطقة وما كتب على هذا المشهد من كتابات قديمة تصرح بنسبة المشهد المبارك في سنجار لهذه العلوية الشهيدة – سلام الله عليها –.
وقد ذكر في كثير من النصوص التأريخية مرور ركب السبايا بمدينة سنجار باعتبارها إحدى الحواضر المهمة في الطريق السلطاني كما كان يسمى الواصل بين الكوفة والشام وقد عرفنا في حلقات سابقة أن جلاوزة الطاغية ابن زياد قد اختاروا هذا الطريق للتشهير بالسبايا المحمديين وإرهاب أهالي المدن الواقعة عليه.
كما أشار عدة من المؤرخين الى سلوك ركب السبايا لهذا الطريق كالرحالة أبي الحسن علي بن أبي بكر الهروي في مواضع عدة من كتابه الإشارات، وكذلك المؤرخ ابن شداد الحلبي في كتاب (الأعلاق الخطيرة) وكذلك كمال الدين ابن العديم في كتاب (بغية الطلب) وغيرهم ووثق ذلك محمد المعلم في كتابه (من كربلاء الى دمشق رحلة سبايا آل المصطفى صلى الله عليه وآله).
ويستفاد من النصوص التأريخية أن مبدأ إظهار قبر هذه العلوية الشريفة يرجع الى بعيد واقعة عاشوراء، أيام حكم المختار الثقفي فقد كانت مدينة سنجار من ضمن المدن التي خضعت لحكمه وقد نصب إبراهيم بن الأشتر والياً على الموصل، فجعل إبراهيم أحد عماله والياً على سنجار.
وبملاحظة قيام حركة المختار على الأخذ بثأر الحسين – صلوات الله عليه – فمن الطبيعي أن نتوقع الإهتمام بكل ما يشير الى المظلومية الحسينية ويعبأ الناس لمناصرة حركة الأخذ بالثأر الحسيني وهذا ما يحققه إظهار قبر أخت للحسين – عليه السلام – قضت نحبها في طريق السبي الى طاغية الشام.
وقد ازداد الإهتمام بهذا المشهد الزينبي المشرف بعد القرن الهجري الثالث أي بعد خضوع مدينة سنجار لحكم السلالات الشيعية من الفاطميين والبويهيين والحمدانيين والعقليين كما أشار لذلك الباحث محمد سعيد الطريحي في مقدمته للفصل الخاص بهذا المشخد المستل من كتاب (مدينة سنجار من الفتح الإسلامي الى الفتح العثماني) للدكتور حسن كامل شميساني وهو منشور في العدد الرابع من مجلة الموسم.
وقد وثق الدكتور شميساني في كتابه المذكور الكتابات التأريخية الموجودة في المشهد والتي تصرح بنسبته الى السيدة زينب بنت علي – عليهما السلام – ومشهورية ذلك منذ أمد بعيد حتى قبل تجديد المرقد في القرن السابع بأمر الملك الرحيم بدر الدين لؤلؤ في العهد الأتابكي.
أيها الإخوة والأخوات، والمستفاد من التأمل في النصوص التأريخية أن طريقة جلاوزة ابن زياد في سوق السبايا كانت تقوم على مبدأ إنزالهم ليلاً على مشارف المدن وخاصة عند أديرة النصارى، والدخول الى المدن صباحاً للتطواف تشهيراً بهم – عليهم السلام – في المدن نهاراً ثم مغادرتها بسرعة لإكمال المسير وبأقصى سرعة ممكنة.
وهذا ما جرى في منزل سنجار، فقد أنزل ركب السبايا المحمديين على جبل سنجار المشرف على المدينة، وكان على هذا الجبل ديران للنصارى هما "دير وزنة" و"دير شكة" كما صرحت المصادر التأريخية وقد أشار إليها الباحث كفاح محمود في دراسة (سنجار، التأريخ والهوية).
وقال الدكتور حسن كامل شميساني في كتابه (تأريخ سنجار): (يروي سكان المدينة المسيحيون أن أصل هذه العمارة – يعني المشهد الزينبي في جبل سنجار – كان ديراً للنصارى، وقد كان فيها صلبان منقوشة أزالها المسلمون عندما أثروا عليها..)
إذن يتضح – مستمعينا الأفاضل – من هذه الشواهد التأريخية، أن هذه العلوية الشهيدة قد قضت نحبها مظلومة غريبة وركب السبايا قد نزل قرب دير النصارى على جبل سنجار، أو أنها – سلام الله عليها – قضت نحبها قبيل وصول الركب الى هذا الموضع، فَوُري جسدها الطاهر عند هذا الدير، والدير عادة ما تكون بجواره أو بقربه مقبرة فتكون – سلام الله عليها – قد استشهدت متأثرة بالجراحات التي أصابتها عند الهجوم على المخيم الحسيني وحرقه يوم عاشوراء، ثم تضاعفت هذه الجراحات بسبب الإيذاء الشديد الذي لحق بالسبايا طوال المسير من الحمل على الأقتاب الجرداء والسوق بأقصى سرعة والتوثيق بالأصفاد والقرع بأكعاب الرماح عند البكاء على الحسين – عليه السلام – وغير ذلك من ممارسات التعذيب الموجعة التي ورد ذكرها في النصوص التأريخية.
أيها الأفاضل، نصل الآن الى التعرف الى هوية هذه العلوية الطاهرة من شهداء السبي، فأي (الزينبات) هي من بنات أميرالمؤمنين بعد أن ثبتت شهرة نسبتها إليه عليه وعليها السلام؟
نتلمس الإجابة من حديث أخينا الحاج عباس باقري وهو ينقل ما ذكرته المصادر التأريخية والمستفاد منها بهذا الخصوص، نستمع معاً:
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. من الثابت في النصوص التاريخية أن مولاتنا السيدة زينب الكبرى صلوات الله وسلامه عليها وكذلك شقيقتها أم كلثوم سلام الله عليها إبنتي الصديقة الزهراء سلام الله عليها قد وصلتا الى الشام وقبل الوصول الى الشام لهما موقف متعددة أجمع المؤرخون على ذكرها، خطبة الصديقة الصغرى زينب الكبرى عليها السلام في مجلس يزيد وكذلك دعوة ام كلثوم لحملة الرؤوس الشريفة الى تقديم الرؤوس عند الدخول الى الشام على ركب السبايا لكي يشغل الناس بالنظر اليها عن النظر الى حرمات رسول الله صلى الله عليه وآله. هذه المواقف وغيرها تكفينا كشواهد على أن صاحبة المرقد الزينبي في سنجار لاأم كلثوم المسماة في بعض المصادر التاريخية وكتب الأنساب كما في أخبار الزينبات في زينب الوسطى ولا هي زينب الكبرى صاحبة المرقد المشهور في مصر. اذن ينبغي أن نبحث عن زينب اخرى كانت مع السبايا من بنات امير المؤمنين سلام الله عليها لكي نعرف من هي صاحبة المرقد الزينبي في سنجار. خاصة مع ثبوت الدراسات التحقيقية أن عودة السبايا لم تكن عن طريق سنجار اذن لايمكن القول إن احدى هاتين السيدتين من بنات فاطمة الزهراء، زينب الكبرى او أم كلثوم قد توفيتا مثلاً في طريق العودة على أن عودة السيدة زينب وأم كلثوم، على الأقل السيدة زينب الى المدينة ثابتة تاريخياً. عندما نرجع الى كتب الأنساب والمؤرخين ووقائع عاشوراء ووقائع حضور السبايا في مسيرة السوق الى طاغية الشام نجد أن هناك زينباً اخرى هي زينب الصغرى، ليست من بنات فاطمة الزهراء ولكنها من بنات امير المؤمنين سلام الله عليها وأمها أم ولد أي جارية، هذه السيدة الجليلة هي ام أحد الشهداء بكربلاء، جعفر بن محمد بن عقيل، زوجة بن عقيل ايضاً من الشهداء الطالبيين الذين أستشهدوا بين يدي الحسين سلام الله عليه فحضور هذه السيدة في ركب السبايا أمر واضح وثابت من خلال حضور زوجها وإبنها وايضاً أسمها زينب. اذن ينسجم مع الروايات والتأكيدات التي تستفاد من النصوص التاريخية ومن المشاهدات الميدانية بأن صاحبة هذا المشهد في زنجار أسمها زينب وبنت امير المؤمنين. قضية ذكر زينب الصغرى من ضمن ذكر بنات امير المؤمنين من المور التي تقريباً أجمع عليها النسابين سواء كانوا من مدرسة اهل البيت عليهم السلام او غيرهم. معظم من ذكر أولاد امير المؤمنين عليه وعليهم السلام ذكر من ضمنهم زينب كالشيخ المفيد في الارشاد، الطبرسي في اعلام الورى كذلك ابن فندق في لباب الأنساب، العلامة الحلي في المستجد، السيد جمال الدين في عمدة الطالب، طالب الزيدي في الإفادة وكذلك السيد العبيدي الحسيني في أخبار الزينبات. اذن تقريباً يمكن الإستناد الى هذه الشواهد لعرض إحتمال راجح وقوي بأن صاحبة المشهد المبارك على ربوة سنجار هي مولاتنا ام الشهيد وزوجة الشهيد وأخت سيد الشهداء وسائر شهداء كربلاء من أولاد امير المؤمنين زينب الصغرى بنت الامام علي صلوات الله عليه وعليها. 
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على التوضيحات المتقدمة ويترجح من النصوص والشواهد التي أشار إليها أن صاحبة المرقد المبارك في ربوة جبل سنجار هي مولاتنا السيدة زينب الصغرى بنت الإمام علي – عليه السلام – وزوجة ابن عمها محمد بن عقيل الشهيد بكربلاء وأم ولده جعفر الذي استشهد معه يوم عاشوراء نصرة لسيد الشهداء الحسين – سلام الله عليه وعليهم أجمعين –.
أيها الأفاضل، من الملاحظ في مرقد هذه العلوية المظلومة إشتماله على قبتين إضافة الى القبة المخروطية المبنية فوق القبر الزينبي الشريف، فهل يفهم من ذلك وجود قبور لشهداء آخرين من شهداء السبي في هذا المشهد الزينبي؟
الإجابة الأولية – وهي بحاجة الى مزيد من التحقيق – نجدها في تحقيق ميداني للأستاذ بكر علي آل برهيم عيشو وهو من أبناء منطقة سنجار، وقد نشر نتائج تحقيقه في مقالة عنوانها (تأريخ سنجار) المنشورة على موقع (بحزاني) الإيزدي، قال في مقالته:
(ومن الآثار [في سنجار] مرقد السيدة زينب... وكذلك من الآثار الشاخصة "قبتا الأخوين" اللذين يعتقد بأنهما من أولاد علي بن أبي طالب – عليه السلام – ويعتقد آخرون بأنهما من أولاد السيدة زينب – عليها السلام – توفيا عندما أخذوهم سبايا الى الشام بعد معركة الطف... وفي كل الأحوال يعود تأريخ بنائهما الى القرن السادس والسابع الهجري وهما شاخصان الى اليوم على الشارع العام في مدخل المدينة).
إذن من المحتمل جداً أن يكون المشهد الزينبي المقدس قد ضم الى جانب جسد الشهيدة زينب الصغرى بنت الإمام علي – عليهما السلام – جسدي إثنين آخرين من شهداء السبي من الصبية والأطفال، وقد أثخنت فيهما جراحات السبي المؤلمة وهما منولد هذه السيدة المظلومة أو غيرها من العيالات الحسينية، فقضوا نحبهم في هذا المنزل من منازل رحلة السبي المفجعة.
قال أحد الأدباء في رثاء مولاتنا العلوية الشهدية زينب الصغرى – عليهما السلام:

عطر النبوة من ربى سنجار

ملأ الفضا من قبر ذات خمار

في ربوة بسنا الولاء تباركت

بشهيدة هي بضعة الكرار

هي زينب الصغرى وللكبرى غدت

إزراً لحفظ ودائع المختار

لما حدا حادي المصاب بسبيها

لخليفة الآثام والأوزار

من بعد قتل حسينها ونجومه

شمس الضحى وكواكب الأسحار

في كربلاء تناثرت أشلاؤهم

فوق الثرى من غدرة الفجار

والزيبنيات غدون مرمى عصبة

ظمأى لقتل العترة الأطهار

علوية شهدت مصارع فتية

ما مثلهم في الكون من ديّار

ثكلت بشبل، جعفر هو قلبها

يفدي الحسين بوثبة الأبرار

ثكلى وأرملة الشهيد محمد

ابن عقيل شبله المغوار

شهدت هجوم الخيل يسحق خدرها

وحجابها نهب العدى الأشرار

والنار تلهب بالخيام وجيبها

أنقى الجيوب مسعر بالنار

وخفيرة تلقى السياط تذودها

عن أوجه الأيتام باستنفار

فجعت بأرزاء الحسين وبعدها

رزء السباء بجرحه المدرار

حملت جراحات تنوء بحملها

صلب الجبال بفلكها الدوار

حملت جراحات السباء بهمة

علوية والقلب في استعبار

عرجت الى رب الحسين جريحة

في موضع قد خط في الأقدار

لشهيدة في السبي ينشر قبرها

عطر النبوة من ربى سنجار


مستمعينا الأطائب..
وبهذا نصل الى ختام الحلقة الثانية عشرة من برنامجكم (شهداء السبي) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران...
تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة