السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله وبركاته..
أزكى تحية نحييكم بها ونحن نلتقيكم في حلقة أخرى هي الثالثة من هذا البرنامج فأهلاً بكم ومرحباً..
حديثنا في لقاء اليوم هو عن شهيدة أخرى من شهداء السبي الذين إنتهك الجفاء من أدعياء الإنتماؤ للأمة المحمدية أقدس المحرمات الإلهية بقتلهم لأولئك الأطهار..
هذه الشهيدة الطاهرة قضت نحبها بسحق الخيول الأموية لبدنها الطاهر عند هجوم على المخيم الحسيني بعد مصرع سيد الشهداء – عليه السلام – يوم عاشوراء..
إنها سبطة سيد الوصيين الإمام علي المرتضى وبضعة سفير الحسين المصفى مولاتنا عاتكة بنت مسلم بن عقيل
أيها الإخوة والأخوات، تعرفنا في الحلقة السابقة الى أن عدة من عيالات النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – قد قضين نحبهن شهيدات مظلومات في الهجوم الوحشي الشرس الذي شنه شيعة آل أبي سفيان على خيام آل الحسين بعد مصرعه – صلوات الله عليه – وهم يستهدفون سلب الفاطميات وإحراق الخيام.
وقد ذكر المؤرخون ثلاثاً من هؤلاء الشهيدات المظلومات اللواتي قتلن بسحق الخيول، تقدم الحديث في الحلقة السابقة عن إثنتين منهن هما العلويتان الفاطميتان أم الحسن وأم الحسين إبنتا مولانا الإمام الحسن المجتبى – عليه وعليهما السلام - .
ومنهن السيدة عاتكة يتيمة المولى الغريب رائد السفراء الحسينيين مسلم بن عقيل – صلوات الله عليه – وقد نص على استشهادها عدة من المؤرخين منهم العلامة الجليل الشيخ حسن بن سليمان الشويكي من أعلام علماء البحرين في القرن الهجري الحادي عشر، وأورد ذلك في كتابه القيم (مقتل الحسين عليه السلام) وتوجد نسخته الخطية بخط المؤلف عند حفيده الأستاذ حسين الشويكي وتأريخ إتمامها هو سنة سبع وألف للهجرة؛ قال – رضوان الله عليه – وهو يتحدث عمن حضر كربلاء من آل علي – عليه السلام - :
"ومن بنات علي – عليه السلام – رقية الكبرى وكانت عند مسلم بن عقيل فولدت منه عبدالله ومحمد اللذين قتلا يوم الطف مع الحسين – عليه السلام - .. وولدت رقية عاتكة من مسلم وكاف لها من العمر سبع سنين وهي التي سحقت يوم الطف بعد شهادة الحسين – عليه السلام – لما هجم القوم على المخيم للسلب.
مستمعينا الأفاضل، نص على ولادة السيدة عاتكة من السيدة رقية الكبرى بنت أمير المؤمنين – عليهما السلام – عدة من العلماء كالسيد جعفر بحر العلوم في كتابه (تحفة العالم)، وصرح السيد عبدالمجيد الحائري في كتابه ذخيرة الدارين في أنصار الحسين بأن عمرها كان سبع سنين عند الخروج من المدينة الى كربلاء كما ذكر مثل ذلك ونص على استشهاد هذه السبية الطاهرة بسحق الخيول العلامة الشيخ محمد مهدي الحائري في كتاب (معالي السبطين وغيره).
وجاء في رواية آخر وداع بين الإمام الحسين وعيالاته قبل استشهاده – صلوات الله عليه – ذكر هذه الشهيدة على لسان سيد الشهداء بعد ذكر والدتها السيدة رقية مباشرة أو السيدة رقية إبنته – عليه السلام – كما جاء في رواية صاحب كتاب ينابيع المودة حيث جاء فيها قول الراوي:
"ثم نادى الحسين – عليه السلام -:
يا أم كلثوم ويا زينب ويا سكينة ويا رقية وياعاتكة ويا صفية عليكن مني السلام، فهذا آخر الإجتماع وقد قرب منكن الإفتجاع
وقد يكون من مرجحات أن تكون عاتكة التي ناداها الإمام الحسين هي إبنة أخته رقية وسفيره مسلم، هو أن مسلماً كان – عليه السلام – أول المستشهدين من أصحابه، فمن المرجح أن يكون الحسين – صلوات الله عليه – قد نقل زوجة مسلم وإبنتيه وعاتكة الى رحله بعد وصول خبر استشهاد والدهما لكي يحوطهن بالمزيد من رعايته ويجبر قلوبهن المنكسرة لفقد مسلم – عليه السلام –
وقد رجح بعض العلماء أن تكون هذه الشهيدة من شهداء السبي هي يتيمة سفيره مسلم التي مسح الحسين – عليه السلام – على رأسها وضمها الى صدره بعد وصول خبر استشهاد والدها، فاستشعرت من فعله اليتم وقالت: أظن أ،ه قد استشهد والدي، فبكى الحسين – عليه السلام – وقال:"يا إبنتي أنا أبوك..
أجل مستمعينا الأفاضل، فقد استبعد العلامة المحقق الشيخ عبد الواحد المظفر في كتابه (سفير الحسين) أ، تكون هذه اليتيمة هي السيدة حميدة بنت مسلم لأن النسابين نصوا على أن عمر السيدة حميدة كان يومذاك حدود ثلاث عشرة سنة وأنها كانت متزوجة، فاستقرب العلامة المظفر أن البنت التي مسح خالها الحسين على رأسها كما يفعل بالأيتام هي طفلة صغيرة لمسلم، وهذا ما ينطبق على الشهيدة عاتكة التي كان عمرها سبع سنين كما تقدم.
ولكن لماذا حمل الإمام الحسين – عليه السلام – العيال معه ليجري عليهن مثل هذه المصائب المفجعة؟
سؤال مهم أجابت عنه عدة من النصوص الشريفة يلخص دلالاتها أخونا الحاج عباس باقري في الدقائق التالية؛ نستمع معاً..
باقري: بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته. أود الاشارة أولاً أن الله تبارك وتعالى هو الذي شاء أن يحمل سيد الشهداء وليه المصفى الامام الحسين عليه السلام عيالات رسول الله صلى الله عليه وآله معه الى كربلاء. هذا الأمر صرح به الامام الحسين نفسه ناقلاً ذلك عن جده رسول الله صلى الله عليه وآله، أخبره بذلك كما ورد في الحديث الشهير الذي رواه السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه في كتاب اللهوف، حوار الامام الحسين مع محمد بن الحنفية أخيه رضوان الله عليه. عندما سأله شاء الله أن يراني قتيلاً يعني بالنسبة لخروجه، سأله لماذا تحمل العيال معك؟ قال الامام الحسين عليه السلام عن جده صلى الله عليه وآله: شاء الله أن يراني قتيلاً ويراهن سبايا. من هذا الحديث الشريف نفهم حكمة الهية من حمل السبايا مع الامام الحسين سلام الله عليه لأن هؤلاء السبايا، هؤلاء المحمديون يشكلون في الواقع ركناً أساسياً في القيام الحسيني المقدس، هؤلاء سلام الله عليهم هم حملة الرسالة الحسينية. كما فصل الحديث عن ذلك الكثير من العلماء وأشارت اليه عدة من الأحاديث الشريفة، هذا أولاً فهو إختيار إلهي. وما كان للإمام الحسين سلام الله عليه أن يتخلف عن ارادة الله ومشيئته تبارك وتعالى وهو الذي بذل كل وجوده ومهجته في سبيل الله تبارك وتعالى. ثانياً إبقاء السبايا في المدينة كان في تعريض لعيالات رسول الله لخطر أشد مما واجهنه في كربلاء، هن واجهن مافي كربلاء مع الحسين سلام الله عليه ولكن الطبيعة الأموية كانت طبيعة معروفة بإنتهاك الحرمات وهذا امر ايضاً شهدت به وقائع عاشوراء فكيف سيكون الحال لو ترك الامام الحسين العيالات في المدينة فقد كان يستخدمون أسرهن في المدينة ورقة للضغط على الامام الحسين لإكراهه على مبايعة الطاغية يزيد، هذا ايضاً من الأمور التي يمكن فهمها تحليلياً على ضوء الوقائع. ثالثاً إختيار السبايا أنفسهم، يعني زينب سلام الله عليها صرحت الروايات الشريفة أنه كان اختياراً من السبايا أنفسهم لمرافقة الحسين سلام الله عليه، يعني هناك قرار من الله ومشيئة إلهية وهناك إستجابة ولبيك من السبايا، من هؤلاء الفاطميات المقدسات في مشاركة الحسين سلام الله عليه في ذلك القيام، في تلك النهضة الإلهية الخالدة الى يوم القيامة وكل ذلك شهدت بآثاره وقائع كربلاء ومابعدها خلال رحلة السبي وعودتهن الى المدينة والسبايا شكلوا جزءاً أساسياً في القيام الحسيني المقدس.
نشكر أخانا الحاج عباس باقري على هذه التوضيحات، ونتابع تقديم لقاء اليوم من برنامج (شهداء السبي) تستمعون له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
ننقل لكم أيها الأكارم صورة معبرة مستقاة من مثال تشبيهي مشهود تبين الأجواء التي أدت الى مصرع شهيدات سحق الخيول من السبي المحمدي وقد أوردها سماحة السيد علي السيد جمال اشرف الحسيني في كتابه (أولاد المولى الغريب مسلم بن عقيل) حيث قال بعد نقله خبر استشهاد الطاهرة عاتكة بنت سفير الحسين – عليه السلام -:
منذ سنوات عديدة تقيم هيئة خيام الحسين – عليه السلام – في قم المقدسة عزاءً تحرق فيه خيمة محاكاة لحرق الخيام يوم عاشوراء، وتستخدم في العزاء عدة أفراس لا يتجاوز عددها العشرة وهي أفراس مدربة مروضة وتمرن في كل عام لتسمع أصوات الطبول لئلا تندهش في مراسم العزاء وتخرج عن هدوئها...
وبالرغم من ذلك، فإنها حين تدخل الميدان وتداهم بمنظر الجموع من الناس المحيطين بفناء الخيمة من بعيد وتصك أسماعها أصوات قرع الطبول ترتبك رغم تدريبها على المشهد من قبل فنجد كل سنة جرحى بين من داست الخيول قدمه بحوافرها ومن ردمته بصدرها.
ثم ينتقل سماحة السيد علي أشرف حفظه الله من هذه الصورة التمثيلية الرمزية الى الصورة الواقعية وأجواء هجوم عساكر البغي الأموي على المخيم الحسيني فيقول:
فكيف بخيل يركبها عدو همجي شرس يغير بها ليسبق الآخرين الى السلب والنهب والترويع، وطبول الحرب المجنونة تهز الآفاق، وكتل النيران كأنها الحمم تنهال من كل جانب ومكان، وكيف الحال وهذه الأفراس معدة للغزو والقتال والعدوان وقد اعتادت اقتحام الميدان وهدفها لفيف من الأرامل والثواكل والأطفال والمخدرات المفجوعات خرجن من الخدر الى السبي ومن حماية حماة الكون الى غلظة القساة الجفاة الأجلاف؟
فكم من قدم هشمتها حوافر الخيل؟ وكم من طفل طحنت صدره سنابك الخيل وأنهكته بكدماتها؟ وكم من فرس عدا على إمرأة فردمها ورض بصدمته أضلاعها... وكم وكم مما لا يعلمه إلا الله وأهل البيت – عليهم السلام – وهو بعين المولى صاحب الأمر – عليه السلام –
في مثل هذه المحنة، وهذه المصيبة المذهلة كانت عاتكة المظلومة كسائر الأطفال فرت على وجهها في البيداء فراراً من الغارة والنار فاستقبلتها الخيل فسحقت كما سحقوا في تلك الغارة المروعة.
سلام على مولاتنا شهيدة سحق الخيول من السبي المحمدي عاتكة بنت مسلم بن عقيل يوم ولدت ويوم رحلت الى بارئها في عمر الصبا تشكو إليه مظلومية أهل بيت نبيه الأكرم – صلى الله عليه وآله – ومظلومية الحسين وآل الحسين – عليه السلام
وبهذا نصل مستمعينا الأطائب الى ختام ثالثة حلقات برنامج (شهداء السبي) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.
شكراً لكم وفي أمان الله.