لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها دعاء الغيبة غيبة الامام المهدي(ع) حيث يتلى بعد فريضة العصر من يوم الجمعة ومطلق الازمنة والاوقات، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع يشكو من شدائد الحياة ويتوسل بالله تعالى قائلاً: «فافرج عنا بفتح منك تعجله ونصر منك تعزه، وامام حق تظهره، اله الحق، آمين».
هذا المقطع من الدعاء يتضمن ـ كما تلاحظه ـ ثلاث عبارات متوسلة بالله تعالى بان يفرج عن الامة بفتح يعجله ونصر يعزه وامام حق ـ الامام المهدي(ع) ـ يظهره ثم يتوج توسله المذكور بكلمة آمين بعد ان ينادي بعبارة اله الحق.
ان هذه العبارات والمناداة وطريقة صياغتها لها نكاتها وطرافتها ودلالتها العميقة وهو ما نحاول توضيحه ...
ان اول ما يتعين ملاحظته هو ما نلاحظه من الفارق بين عبارة الفتح وعبارة النصر حيث قال الدعاء بفتح تعجله ونصر تعزه فما هي النكات الكامنة وراء العبارتين المذكورتين؟ طبيعياً قد يقول البعض ان الفتح والنصر بمعنى واحد ولكن الحقيقة ليست كذلك حيث ان القرآن الكريم نفسه يستخدم كلمتي الفتح والنصر بنحو يختلف احدهما عن الآخر عبر قوله تعالى: «اذا جاء نصر الله والفتح» اذن ثمة فارق بينهما فما هو ذلك؟ هنا قد يقول القائل ان المقصود من كلمة النصر في الآية القرآنية الكريمة هو النصر الذي حققه النبي(ص) بالنسبة الى فتح مكة ولكن بالنسبة الى الدعاء الذي نتحدث عنه لا سياق فيه لنا من حيث الاشارة الى فتح خاص بل هو عام لذلك نتساءل من جديد ما هو الفارق بين النصر والفتح؟
في تصورنا ان النصر هو غلبة جيش المهدي(ع) على الاعداء واما الفتح فهو الدخول الى بلاد الله تعالى مع فتح فكري هو تطبيق مبادئ الاسلام أي المذهب الحق ... ولذلك ختم الدعاء توسله بالله تعالى بعبارة اله الحق أي استخدم الدعاء نداءاً خاصاً انتخب فيه عبارة اله الحق ليشير بذلك الى المذهب الحق مذهب الامام المهدي(ع) مذهب اهل البيت عليهم السلام وهذه هي احدى النكات التي تتعين ملاحظتها وسبب ذلك هو انه من الممكن ان ينتصر جيش ما ولكنه لم يتحقق الفتح الفكري كما نلاحظه مثلاً في غلبة الجيوش الاستعمارية في احتلالها لهذه الارض او لتلك ولكنها لا تحقق فتحاً فكرياً بل الفتح العسكري فحسب، وهذا بخلاف النصر الذي يحققه الامام المهدي(ع) حيث يقترن بغلبة مذهب الحق ايضاً فتتغير المجتمعات ويزول الانحراف ويتحقق العدل.
يبقى ان نشير الى نكتة اخرى هي ما نلاحظه من التوسل اولاً بنصر معجل ثم بفتح معز فما هي النكتة وراء ذلك؟ أي لماذا جاء النصر مصحوباً بعبارة تعزه وجاء الفتح بعبارة تعجله؟ هذا ما يحتاج الى توضيح نكاته ايضاً.
من البيّن ان شدائد الحياة التي اشار الدعاء اليها تعني توسلنا بالله تعالى بان يعجل لنا الله تعالى الفتح بصفة ان الشدائد تتمثل في طغيان ظاهرة الانحراف الفكري وهذا ما يتطلب العجلة في ازالته فجاءت عبارة فتح تعجله منسحبة على هذا المعنى.
واما النصر وهو الغلبة العسكرية او هو التأييد من الله تعالى فيشمل ظاهرة العز تبعاً للمقولة او الحديث القائل ان الاسلام يعلو ولا يعلى عليه او الاسلام عزيز بعزة الله تعالى ومن هنا يقترن نصر الله تعالى للامام المهدي(ع) بـ العز لان العزة لله تعالى ولرسوله(ص) ولأهل البيت عليهم السلام ولاتباعهم.
اخيراً ثمة نكتتان لابد من الاشارة اليهما هي الملاحظة ان مقطع الدعاء ذكر اولاً ظاهرة الفتح ثم ظاهرة النصر ثم بعد ذلك ظاهرة امام الحق الذي يظهره الله تعالى ثم المناداة بعبارة اله الحق ثم اختتام المقطع بعبارة آمين وهذه الظواهر تحتاج الى القاء الانارة عليها وهذا ما نحدثك به في لقاء مقبل ان شاء الله تعالى.
اما الآن فحسبنا ان نتوسل بالله تعالى بان يعجل ظهور الامام(ع) وان يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******