لا نزال نحدثك عن الادعية وما تواكبها من المعرفة الشرعية في ميدان العقائد والاخلاق والاحكام، ومن ذلك الدعاء الموسوم بـ "عالي المضامين" أي الى الدعاء المتضمن دلالات مهمة حيث خصص الدعاء المذكور لتلاوته بعد الزيارة الجامعة للائمة عليهم السلام، وقد حدثناك في لقاءات سابقة عن مقاطع متسلسلة منه وانتهينا من ذلك الى مقطع متوسل بالله تعالى بان يمنحنا نعمة يغنينا بها عن مواجهة ما تعترضها من صعوبات ثم يقول: (وتخلصني منها، "أي الصعوبات" معافاً في ديني ونفسي وولدي).
ان هذه العبارة المتوسلة بالله تعالى بان يعافينا في ديننا ونفسنا وولدنا تعد من الاهمية بمكان كبير في ميدان السلوك العبادي لذلك يجدر بنا ان نلقي مزيداً من الاضواء على هذا الموضوع.
من البين ان تحقق الرفاه للانسان من الممكن ان يقترن بما لا يرضي الله تعالى او بما لايتسق مع المبادئ الانسانية بعامة من هنا فان الدعاء المتقدم حينما يتوسل بالله تعالى بان يحقق لنا النعم ولكن بشرط خاص هو ان يقترن بمعافاتنا في اهم محاور ثلاثة هي الدين النفس الذرية، والسؤال المهم هو لماذا انتخب الدعاء كلاً من الدين والنفس والذرية دون غيرها ...
الجواب بالنسبة الى الدين فان الامر من الوضوح بمكان حيث ان الاصل في وجود الانسان على الارض هو ممارسة السلوك الديني تبعاً لقوله تعالى: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ». ولكن الامر الذي يتطلب مزيداً من الوضوح هو لماذا حصر الدعاء المعافاة بعد الدين في ظاهرتي النفس والذرية او الاولاد؟ هذا ما يتطلب كما قلنا مزيداً من الوضوح فماذا نستخلص؟
بالنسبة الى النفس فان الموضوع يتصل بسلامة الجهاز النفسي او اضطرابه فمن الممكن ان يمارس الانسان شعائره الدينية كالصلاة مثلاً ولكنه مضطرب من الزاوية النفسية حيث تتحكم فيه العقد والامراض العصبية وما شابه ذلك، لذلك فان سلامة الدين لا تتحقق بما فيها الا سلامة النفس ايضاً حيث لا فصل بين سلامة الدين وسلامة النفس، من هنا يتوسل الدعاء بالله تعالى بان يجعلنا معافين بالنفس حيث لا اضطراب ولا ازمات نفسية تعرض الشخصية الى الاذى كما هو واضح، وهذا فيما يتصل بظاهرة النفس، ولكن ماذا بالنسبة الى الاولاد أي لماذا توسل الدعاء بالله تعالى بان يعافينا في اولادنا، هذا بدوره يتطلب مزيداً من الوضوح.
مما لا يختلف فيه اثنان ان الذرية هي الحياة الاستمرارية للبشر وهذا يعني ان الله تعالى عندما وظفنا لممارسة العمل العبادي فان الذرية تظل مرتبطة بالاباء والامهات في توصيل مبادئ السماء اليها وتنشئتها بالنحو المطلوب، لذلك فان المسؤولية التربوية على الاباء بالنسبة الى الذرية تأخذ اهميتها الكبيرة في هذا الميدان، يضاف الى ذلك ان الاولاد بعامة من الممكن بان يخدموا آباءهم وامهاتهم في الحياة وفي الممات ايضاً فان الاب او الام في كبرهما يحتاجان الى رعاية الاولاد لهما، فكما انهما رعيا اولادهما في الصغر فان الاولاد في الكبر يأخذون ادوارهم الخدمية كذلك، بالاضافة الى ان بر الاولاد ينعكس على مرحلة ما بعد الوفاة أي كما ان الولد يبر ابويه في حياتهما يبرهما في مماتهما ايضاً حيث يتصدق عنهما او يدعو لهما وما الى ذلك.
اذن اتضح لنا معنى التوسل لدى قارئ الدعاء بالله تعالى بان يعافيه في ولده ونفسه ودينه.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى مرضاته والى ممارسة عملنا العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******