نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن احد مقاطعه الذي وردت فيه هذه العبارة (يا صادق الوعد)، وهي عبارة سبق أن واعدناك بالحديث عنها مفصّلاً، ونبدأ بإلقاء الإنارة عليها، فنقول: إنّ صفة (صادق الوعد)ليست مجرد سمة او مظهر من عظمة الله تعالى وأسمائه، بل هي بالاضافة الى ما تعنيه من مظاهر عظمته تعالى، تجعلنا متداعين بأذهاننا الى أهمية هذه الصفة التي يتعين علينا أن نتعلّمها في سلوكنا، ويكفي - كما أشرنا في لقاءنا السابق - أنّ الله تعالى خلع صفة (صدق الوعد) على أحد أنبيائه وهو اسماعيل (عليه السّلام) حيث وسمه بهذه العبارة «وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ»، وقد قلنا: إنّ الله تعالى يخصّص لكلّ شيء سمة خاصة به مثل سمة (شكور) لنوح (عليه السّلام)، و(صابر) لأيوب (عليه السّلام)، و(أوّاب) لداوود (عليه السّلام)، إنما يلفت نظرنا الى أهمية هذه السمات التي ينبغي أن نتعلّمها في سلوكنا مثل سمة (الصبر) و(الشكر) و....
والسؤال الآن هو: ماذا تعني هذه السمة؟
لقد ورد اكثر من نصّ شرعي يشير الى سمة (المنافقين)، وفي مقدمتها (خلف الوعد)، اي: أنّ ما يميّز المنافق عن سواه (في بعض صفاته) هو (خلف الوعد)، فلماذا؟
واضح، أنّ المنافقين يتميزون بكونهم (يبطنون) غير ما (يظهرون)، اي: أنّ الظاهر من سلوكهم مخالف لما هو (باطن)، فهم يعلنون (الإيمان) ولكنهم (يبطنون) الكفر.
واذا نقلنا هذه السمة، اي: مخالفة الظاهر لما هو باطن، نجد أنّ (خلف الوعد) وعدم الصدق فيه يتجانس تماماً مع المنافقين، وذلك لأنّ الشخصية التي تعد بشيء ثم تخالفه، فهذا يعني: عدم مطابقة ما تقوله ظاهراً لما تستبطنه واقعاً، وهذه هي سمة (المنافق)، والسؤال الجديد هو: ما هي المفارقات المترتبة على خلف الوعود؟
قبل أن نجيبك عن السؤال المتقدم، نذكّرك بموقف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول النصوص المؤرّخة لسيرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، إنّ أحدهم وجده واقفاً في مكان غير ظليل، اي: في حرّ الشمس، فسأل عن سبب وقوفه في هذا المكان؟
فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه على موعد مع أحد الاشخاص في هذا المكان، هنا طلب هذا الرجل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقف في مكان قريب منه في الظلّ بدلاً من الشمس، فأجابه (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه وعد الشخص في المكان الحالي وليس سواه.
إنّ هذا الموقف كاف لان يحسّسنا بأهمية (الصدق) في الوعد، حيث وعد (صلى الله عليه وآله وسلم) الشخص بأن يلتقيه هذا المكان، فصدّق وعده.
والآن في ضوء ما تقدم توضيحه، نتساءل من جديد: ماذا نستلهم من عبارة (يا صادق الوعد)؟
الجواب بالنسبة الى ملاحظة عظمة الله تعالى، فإنّ الذهن ينتقل سريعاً الى ما وعده تعالى من الرضوان والجنّة، ومن الرعاية لعباده بنحو عامّ بما يمنحهم من عطاءاته التي لا حدود لها، دنياً وآخرة ويكفينا أن نقرأ العبارة القرآنية الواردة في سورة آل عمران في نهايتها القائلة «إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ».
أنّ هذه العبارة وردت في السياق الآتي: «رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
اذن، عندما نسم عظمة الله تعالى في أحد مظاهرها وهي: عدم الخلف في الميعاد المتمثل في تكريم عباده المؤمنين وعدم فضحهم أمام الآخر، عندئذ نتبين بوضوح معنى عبارة (يا صادق الوعد)، والأهمّ من ذلك ان نتعّلم صدق الوعد في سلوكنا اليومي حتى نتخلّى عن النفاق الذي يطبع سلوك من هو يظهر غير ما يبطن، بالشكل الذي أوضحناه.
ختاماً نسأله تعالى أن يجعلنا من الصادقين في الوعد، وأن يوفقنا الى الإيمان والى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******