نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه ما يأتي من أسماء الله تعالى أو صفاته او مظاهر عظمته، ومنه هذه العبارات (يا مزيّن، يا معلن، يا مقسّم).
ترى ماذا نستخلص من الكلمات المتقدمة؟
لنتحدث اولاً عن عبارة (يا مزّين)، والسؤال هو: مالذي يمكن استلهامه من العبارة المتقدمة؟
التزيين هو جمالية الشيء، اي الزينة، وهي تحمل دلالتين، إحداهما: إيجابية، والاخرى سلبية. أمّا الدلالة الإيجابية فيكفينا أن نداعي بأذهاننا الى الآية القرآنية الكريمة القائلة: «وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»، وكذلك الاشارة الواردة بالنسبة الى بعض وسائل الركوب، حيث تشير الآية الكريمة الى ذلك بعبارة: «وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
وأما استخدام (الزينة) سلبياً، فيتمثل في الاشارات القرآنية المتنوعة الى زينة الحياة الدنيا كما في قوله تعالى: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا...» بمعنى أنهما وسواهما منبّهات أو محرّكات عابرة لا قيمة لها حيال الآخرة. هذا بالاضافة الى استخدام مفهوم الزينة بنحو محايد من أجل الاختبار مثل قوله تعالى إنّا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم.
والآن إذا تجاوزنا هذه العبارات المتنوعة لمفهوم (الزينة)، حينئذ نستطيع الاستخلاص الآتي: إنّ الله تعالى (مزيّن) للكون، أي: الجاعل أو المبدع لجمالية الكون في شتّى مستوياته من سماء وفضاء وأرض وبحر وأدوات ومخلوقات وطبيعية وبشرية وحيوانية، وكلّها تحمل جمالية الإبداع الإلهي، كما هو واضح.
وأمّا عبارة: (يا معلن)، فإنها تحتاج الى شيء من التأمّل، لذلك نتساءل: ما هي الامكانات التي نستلهمها من هذه الكلمة (يا معلن)؟
إنّ (الإعلان) يقابل (الإسرار)، وإذا قّدر لنا ان نتابع استخدام هاتين العبارتين أمكننا أن نسحبهما على سياقات متنوعة، فالله تعالى يعلم بما نخفي وما نعلن (كما تشير الآية الكريمة الى ذلك)، وهذا سياق، وسياق آخر، فإنّ (الإعلان) هو: أنه تعالى هو المظهر لقدرته تعالى في مختلف مجالات الإبداع، واذا ذكّرناك دائماً بأنّ الصفات او الاسماء العشرة التي يتضمنها كلّ من المائة من مقاطع دعاء الجوشن، تتناسب وتتجانس فيما بينها، حينئذ يمكننا بأن نلحظ التجانس بين عبارة سابقة هي: (يا مزيّن) بمعنى: مبدع الجمال وبين (مظهر) هذا الابداع في مختلف أرجاء الوجود.
بعدها نواجه كلمة او عبارة: (يا مقسّم)، فماذا نستخلص منها؟ لعل الذهن لقارئ الدعاء يتداعى سريعاً الى جملة مظاهر تفرزها مفردة (مقسّم)، ولعلّ اول ما يتبادر الى الذهن هو (تقسيم الارزاق) مثلاً، او تقسيم مطلق المعطيات التي يتفضل بها تعالى على مخلوقاته، او التقسيم للأدوار التي يجعلها تعالى لمختلف مخلوقاته من ملائكة وجنّ وبشر، وبهذا تنتظم السمة المذكورة مع سابقاتها في سياق التنظيم الكوني لمبدعه وهو الله تعالى.
بعد ذلك ننتقل الى مقطع جديد هو: (يا من هو في ملكه مقيم، يا من هو في سلطانه قديم، يا من هو في جلاله عظيم)، (وبما أنّ كلّ مظهر من المظاهر المعبّرة عن عظمته تعالى، يتطلب كلاماً فيه تفصيل أو إجمال بما يتناسب والسياق الذي يرد فيه، لذلك نؤجل الحديث عن ذلك الى لقاءات لا حقة ان شاء الله تعالى).
ختاماً نسأله تعالى أن يوفقنا الى ممارسة مهمتنّا العبادية، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******