لانزال نحدثك عن أدعية الزهراء (عليها السلام) ومن ذلك: دعاؤها في حوائج الآخرة والدنيا، حيث ورد في احد مقاطع الدعاء: (اغفر لي وارحمني اذا توفيتني، اللهم لاتعيني في طلب مالم تقدر لي، وما قدرته فاجعله ميسراً سهلاً) .
هذه العبارات امتداد لعبارات سابقة تتوسل بالله تعالى بان يجعلنا قانعين بما رزقنا، وان يستر علينا ويعافينا ماابقانا وهنا يعطف النص: (واغفر لي وارحمني اذا توفيتني) .
طبيعياً هذه العبارة امتداد - كما المحنا- لسابقتها التي تتوسل بالله تعالى ان يستر عليها ويعافيها في الدنيا. اما الآن فالعبارة تتجه الى الآخرة فتقول (اغفر لي وارحمني اذا توفيتني) .
والسؤال هو: ماذا تعني عبارة (اغفر لي) ؟ ثم ماذا تعني: (ارحمني) ؟ وهل هما متماثلتان ام متفاوتتان؟
ان قارئ الدعاء يتساءل: أليس عبارة (اغفر لي) هي نفس ارحمني؟ اي: ان غفران الذنب هو رحمة منه تعالى فلماذا جاءت بعدها عبارة (ارحمني) ؟
الجواب: نكرر دوماً ان المعصوم لايورد كلمتين بمعنى واحد أبداً، لذلك فان (اغفر لي) لابد وان تختلف عن (ارحمني) وان كانتا تصبان في دلالة مشتركة كيف ذلك؟
الغفران هو: الستر على الذنب من حيث عدم ترتيب العقاب عليه... أما (ارحمني) فهي اوسع دلالة، لان الرحمة تشمل كل الظواهر، انها تشمل الغفران، والعفو، والصفح وهي بدورها عبارات مشتركة ولكنها متفاوتة، فالعفو هو عدم ترتيب الاثر بينما الصفح هو: غض النظر عن الذنب،
واذن: كل عبارة تنتظم دلالة مختلفة عن اختها، يضاف الى ذلك ان الرحمة تتجاور مفهوم الذنب، الى ما هو مساحات متنوعة من عطاء الله تعالى، فمثلاً: قد يبدل الله تعالى السيئة بالحسنة، وهذا منتهى مصاديق الرحمة، وقد يمنح تعالى عبده المذنب بعد ان يستر عليه مقاماً اعلى مما قدمه من الطاعات وهذا بدوره رحمة جديدة تختلف عن السابقة وهكذا.
اذن (اغفر لي) تختلف عن عبارة (ارحمني) بالنحو الذي اوضحناه.
ونتجه الى عبارة جديدة وهي: (اللهم لا تعيني في طلب ما لم تقدر لي) هذه العبارة هي صدى لعبارة وردت في اول المقطع وهي:(قنعني بما رزقتني) ، اي: ان قارئ الدعاء بدء اولاً بان تحصل له القناعة بما رزقه تعالى... اما الاستمرار بعد ذلك في قضية الرزقفتتمثل في ان يهيئ تعالى لعبده رزقاً مضموناً اي: بما ان الانسان قد يخيل اليه بان الجد والاجهاد والطلب في الرزق يستتبع زيادة فيه، ولكن هذا التخيل خطأ، حيث تشير النصوص الى تقدير الرزق من جانب، والى ان حتى الأحمق الذي لا يعرف كيف يتعامل تجارياً: يوسع تعالى في رزقه حتى يعتبر العقلاء بذلك، اي: حتي لا يخيل اليهم ان الرزق هو في ذكاء الانسان بقدر ما يجسد تقديراً خاصاً من الله تعالى بحسب ما تتطلبه مصلحة الفرد.
من هنا، ان قارئ الدعاء يتوسل بالله بالايجعله راكضاً وراء رزق لم يقدر له، بل يكتفي أو بل يسعى في نطاق ما قدره تعالى له.
يبقى ان نحدثك عن العبارة الرابعة التي ينتهي المقطع اليها وهي ان يجعل تعالى ما قدره لعبده من الرزق ميسراً سهلاً.
والسؤال هو: كما هو الفارق بين (الغفران) و (الرحمة) نلاحظ الفارق بين (الميسر) و (السهل) فما هو هذا الفارق؟
الجواب: اليسر هو ظاهرة تجئ بعد الْعُسْرِ مثل قوله تعالى: «إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا» فاذا افترضنا ان الله تعالى قتر على عبده الرزقبحيث اقترن بشيء من الْعُسْرِ ، حينئذ فان توسل العبد بان يجعل تعالى رزقه ميسراً يعني: زوال الْعُسْرِ المشار اليه اما (السهل)فهو اساساً: سهل لا صعوبة فيه، فيجسد حينئذ مرحلة لاحقة لما سبقته اي: يزال الْعُسْرِ اولاً بالنسبة الى حصول الرزق وبعد ذلك يصبح سهلاً غير مقترن بصعوبة سابقة، اذن: الفارق بين العبارتين من الوضوح الى حد ما بالنحو الذي قدمناه.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******