لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الزهراء عليها السلام،حيث حدثناك عن احدها عبر مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن مقطع جديد فيه يبدأ على هذا النحو: (اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري، واصلح لي دنياي التي فيها معاشي، واصلح لي آخرتي التي اليها معادي...)
هذا المقطع من الدعاء يحفل بتلخيص مهمة الشخصية في الحياة اذ خلق الله تعالى الانسان من اجل ممارسة الخلافة في الارض... المقطع يتحدث اولاً عن الدين، ثم عن الدنيا، ثم عن الأخرة... غير ان المطلوب هو ملاحظة توزيع المهمة في التعامل مع المفردات المذكورة وهو امر يتطلب قسطاً من التوضيح...
النص يقول (اللهم اصلح لي ديني الذي هو عصمة امري...)
فماذا نستلهم من العبارة؟ طبيعياً، مادام الله تعالى خلق الانسان من اجل الممارسة العبادية او الخلافية، حينئذ فان العبد يتطلع الى اصلاح سلوكه المرتبط بالممارسة العبادية متمثلة في ظاهرة (الدين) اي مارسمه الله تعالى لنا من السلوك، وطلب منا الالتزام بذلك، وهذا ما اسماه النص او ما خلع عليه النص طابعاً بلاغياً هو: الاستعارة، حيث جعل اصلاح السلوك الديني (عصمة)، اي: المناعة والمتانة او لنقل: ما يمنع وقوع المعصية من السلوك... وهذا طبيعي بالنسبة الى مهمتنا العبادية... بمعني: ان العبد يتعين عليه ان يجعل سلوكه وفق ما رسمه تعالى من الاحكام والحوادث والمواقف من السلوك...
والآن: اذا كان المطلوب هو: ممارسة العمل العبادي حينئذ لابد من توفر المناخ الذي يسمح للشخصية بان تمارس وظيفتها، وهذا ما تجسده العبارة الثانية من الدعاء حيث تقول (واصلح لي دنياي التي فيها معاشي) فالشخصية اذا لم يتوفر لديها المعاش لايمكنها ان تؤدي الوظيفة العبادية، فمثلاً اذا كان العبد يتعرض لمرض عضال أو لفقر مدقع او لأضطراب أمين: حينئذ لايقر له عيش ومن ثم لايستطيع ممارسة عمله العبادي.
يبقي ان نحدثك عن المرحلة الثالثة، فالاولى هي اصلاح الدين، والثانية اصلاح الحياة والثالثة أصلاح الأخرة.. والسؤال الأن هو: عرفنا ان المطلوب هو ممارسة العمل العبادي، وتوفر وسائل الاشباع... ولكن ما هي صلة ذلك بالأصلاح الأخروي؟ الجواب: من الواضح ان الدنيا هي جسر الأخرة اي: ان ممارسة العمل العبادي وظيفة دنيوية تسمح للشخص بأن يتسلم نتائج سلوكه وهي: الحياة الاخرة، حيث تتسم هذه الحياة بالخلود وبالابدية،.. ومن ثم: فان المطلوب فيها:
اولاً: ان تقترن برضاه تعالى، وبدخولنا الجنة
ثانياً: ان عبارة (اصلح لي آخرتي) اقترنت بعبارة (اليها معادي) بمعني ان المعاد هو الحياة الحقيقية الخالدة وهذا ما يتطلب نجاح الشخصية في سلوكها في الدنيا... من هنا، جاءت الفقرتان الأتيتان: توسلاً بالله تعالى بان ينتخب لنا ماهو الاصلح، اي: استمرارية الحياة الموقتة او الموت،.. وهذا ما تجسده عبارتا (واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر)
من الواضح ان الشخصية مادامت تحرص على ممارسة المهمة العبادية بالنحو الأحسن، فان الموت او العمر الطويل يظل مرتبطاً بما هو الاصلح للشخصية فاذا كان العمر المديد مثلاً يتسبب في ممارسة المعصية فان الموت اولى من ذلك، والعكس هو الصحيح ايضاً.
اذن اتضح لنا بجلاء ما يتضمنه المقطع من التوسلات بالله تعالى، من حيث اصلاح الدين او الدنيا، والاخرة ومن قبل ذلك: كسب رضاه تعالى، والجنة...
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا كذلك، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******