نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، في تعقيبه لصلاة الفطر حيث حدثناك عن مقاطع منه وانتهينا الى مقطع ورد فيه: (اللهم اني اسألك بحرمة وجهك الكريم ان تجعل شهري هذا خير شَهْرُ رَمَضَانَ، الى ان يقول:(اعظمه أجراً، وأتمه نعمة، واعمه عافية، واوسعه رزقاً، وافضله عتقاً من النار، واوجبه رحمة، واعظمه مغفرة، وأكمله رضواناً، واقربه الى ما تحب وترضى)، نحن الان امام سلسلة من المطالب التي يتوسل الدعاء بالله تعالى بأن يتفضل بتحقيقها لقارئ الدعاء، متمثلة في اعظم الاجر واتم النعمة، وأعم العافية، وأوسع الرزق، ... الخ، والان ان ما نعتزم ملاحظته في القائمة المذكورة هو: النكات الكامنة وراء كل حاجة من حيث الدلالة التي تتضمنها مثل الاجر الذي طلب الدعاء ما هو اعظم ومثل النعمة الاعموالعافية الاعم، ... الخ، اذن لنقف عند كل مفردة.
المفردة الاولى هي عبارة: (اعظمه اجراً) ترى ماذا يقصد من الاجر؟
طبيعياً، المقصود هو الثواب الحاصل من ممارسة العمل العبادي في شَهْرُ رَمَضَانَ، ولكن سنرى ان عبارات اخرى وردت متجانسة فيما بعد في سلسلة المطالب مثل (اعظمه مغفرة) ومثل (اوجبه رحمة) الخ، لذلك فان السؤال هو ليس عن دلالة كلمة (الاجر)فأنها من الوضوح بمكان ولكن السؤال هو: عن الدلالات العميقة التي تتميز بها كل كلمة حتى نصبح على وعيٍ بما نقرأ من الدعاء، اذن: ما هو الفارق بين (الاجر)، ولماذا عبر عنه بكلمة (اعظم)؟ ولماذا عبر بنفس الكلمة عن الْمَغْفِرَةِ، فقال: (واعظمه مغفرة)، فهل هما متساويتان: اي الاجر والْمَغْفِرَةِ؟ هذا هو السؤال الاول.
أن (الاجر) هو الثواب كما قلنا، اما الْمَغْفِرَةِ فهي: غفران الذنب وستره، فاذن الثواب اعم من كل مفردة لانه يتناول الْمَغْفِرَةِوزيادة الثواب، ... الخ، من هنا فان عبارة: (اعظمه اجراً) تظل عامة، وتندرج ضمنها مانلاحظه من العبارات المتجانسة، ومنها عبارة: (واعظمه مغفرة) حيث لاحظنا دلالتها، ولكن ما هي الفوارق بين العبارات الاخرى، ومنها: (وأوجبه رحمة) وايضاً (اكملهرِضْوَاناً)؟
الجواب: الرحمة بدورها عامة، وتندرج ضمنها انماط متنوعة: كالشفقة والحنان، والعفو، وسائر ما يرتبط برحمته تعالى من العناوين، اما (الرِضْوَانِ) فيتحدد في دلالة خاصة هي: رضاه تعالى عن قارئ الدعاء.
بعد ذلك نواجه مفردات اخرى ذات دلالات تعم الحاجات الدنيوية والاخروية، مثل (اتمه نعمة) ومثل (اعمه عافية)، (واقربه الى ما تحب وترضى)، ان كل مفردة مما تقدم لها اوجه متنوعة، فمثلاً: النعمة تشمل كل ما فيه راحة للانسان وهذا المصطلح هو (تناص) اي: اقتباس من القرآن الكريم حيث وردت الاية المباركة الخاصة بيوم الغدير وتنصيب الامام علي (عليه السلام) وصياً للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) قائلة: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، ...»، وهذا يعني ان النعمة واتمامها يشمل البعد العقائدي بما يترتب عليه من المعطى الاخروي والدنيوي.
يبقى ان نحدثك عن مفردات اخرى خاصة بالدنيا، ومفردات خاصة بالاخرى، ومثال الاولى عبارة: (واوسعه رزقاً) (وافضله عتقاً من النار) وسوى ذلك من المفردات التي مر ذكرها، ونحسب ان كل مفردة من ذلك: من الوضوح بمكان، فسعة الرزق والعتق من النار واضحتان من حيث الدلالة ولكن الاهم من ذلك هو: ملاحظة الفوارق بين الاوصاف التي لحقت كلاً من الحاجات المذكورة مثل (اتم)، (اعظم)، (اعم)، (أوجب) و(اكمل)، ... الخ، وهو ما نؤجل الحديث عنه الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
اذن امكننا ان نتبين جانباً من الحاجات التي وردت متسلسلة في مقطع الدعاء، سائلين الله تعالى ان يتفضل علينا بتحقيقها، وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******