البث المباشر

شرح فقرة: "اسألك باسمك المكنون، ..."

الأحد 28 يوليو 2019 - 10:41 بتوقيت طهران

نتابع حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها أدعية الامام المهدي (عليه السلام)، حيث حدثناك عن أحد أدعيته الخاص بالقنوت، وانتهينا من ذلك الى مقطع جديد، بدأ على النحو الآتي: (اسألك بأسمك الْمَكْنُونِ، الْحَيُّ الْقَيُّومُ الذي استأثرت به في علم الغيب عندك لم يطلع عليه أحد من خلقك، وأسألك باسمك الذي تصور به خلقك فِي الأَرْحَامِ، ... الخ)، النص المتقدم يتضمن اولاً: السؤال من الله تعالى من خلال الاسم المخزون، الْمَكْنُونِ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ: هذه الصفات الاربع لها وضوحها الدلالي اي: من حيث اشتمالها على عظمة وقدسية اسم الله تعالى الاعظم، وهو اسم يتسم بكونه (مخزوناً) لم يطلع عليه احد، ومكنوناً لم يطلع عليه احد، حيث ان الفارق بين المخزون والْمَكْنُونِ ان الاول يتضمن صفة الموجود في نطاق ما، اما الْمَكْنُونِ فيعني: المخفي، وقد فسرت العبارتان الآتيتان فلسفة وفاعلية هذه السمات بقوله (عليه السلام): (الذي استاثرت به في علم الغيب عندك، لم يطلع عليه احد من خلقك)، وسر ذلك هو: عظمة وقدسية الاسم المتجانس مع عظمة وقدسية الله تعالى بنحو مطلق.
بعد ذلك يتجه الدعاء الى عبارة (تناص) اي: عبارة تضمين او اقتباس من آية التصوير الالهي للناس في الارحام كيف يشاء فيقول (عليه السلام): (واسألك باسمك الذي تصور به خلقك في الارحام)، ان التصوير فِي الأَرْحَامِ يظل مرتبطاً في احد جوانبه بالصفات المتقدمة للاسماء الالهية (المخزون، الْمَكْنُونِ، الْحَيُّ، الْقَيُّومُ) بصفة ان نمط خلقه تعالى من حيث تفرده وعدم معرفة الخلق بعظمة ذلك يتجانس مع الخزن والاخفاء (المخزون، الْمَكْنُونِ) ومع «الْحَيُّ الْقَيُّومُ» بصفة ان الحي هو المعبر عن الفاعلية والْقَيُّومُ عن القيام بتدبير الخلق، وها هي العبارة اللاحقة لهذه الصفات تقرر بانه تعالى: «يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء»، وتشير النصوص المفسرة الى ان التصوير فِي الأَرْحَامِ يتناول مطلق كيان المخلوق من ذكر او انثى او صبيح او قبيح، أو طويل أو قصير او… الخ، تبعاً لما تتطلبه حكمته تعالى.
بعد ذلك نتجه الى ظاهرة قد خصصها الامام (عليه السلام) دون غيرها ليشير بذلك الى ظاهرة المادة التي يحيا بها خلقه الذي صوره فمثلاً في فقرة: (وبه - اي الاسم بصفاته المذكورة- وبه تسوق اليهم ارزاقهم في اطباق الظلمات، من بين العروق والعظام)ان الاشارة الى (الارزاق) بعد الاشارة الى تصويره تعالى «فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء»، يعني ان (الرزق) غير منفصل عن سائر السمات الجسدية والنفسية والعقلية وهو امر يتسم بأهمية كبيرة من حيث الاشارة الى ان الرزق هو المتكفل باستمراية وجود الخلق وبه او من خلاله يتكيف التكليف او الوظيفة العبادية التي خلق الله تعالى الانسان من اجل ممارستها.
يبقى ان نشير الى نكتة فنية او بلاغية هي: ان الاشارة الى اطباق الظلمات والاشارة الى القلوب والاعراق تظل على صلة بما قلناه من ان أهمية تسويق الرزق غير منفصلة عن التصوير فِي الأَرْحَامِ قبل ولادة الشخصية، متحققة من خلال التكييف الجسدي والنفسي والعقلي: مادام التلميح الى الظلمات مشيراً الى الشخصية فِي الأَرْحَامِ والتلميح الى العروق والعظام مشيراً الى اصل التنشئة ونحوها ومن ثم انتقالها الى بيئة الحياة العبادية.
اذن امكننا ان نتبين سريعاً بعض النكات الدلالية الكامنة وراء النص المذكور، سائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة