لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من بلاغة فائقة، حيث تسهم العبارة البلاغية في تعميق المعنى وتقريب دلالته الى الاذهان، ومن ذلك: ما سبق ان حدثناكم عنه وهو احد الادعية المرتبط بزيارات الجامعة حيث ورد فيه التوسل بالله تعالى بان يجعل الذكر والموعظة شعارنا ودثارنا حيث قال الدعاء واجعل اللهم الى ان يقول الذكر والموعظة شعاري ودثاري والمطلوب الان هو ملاحظة الذكر والموعظة من جانب والشعار والدثار من جانب اخر، حيث ان التشابه بين الذكر والموعظة والتشابه بين الشعار والدثار يظل بدرجة كبيرة كما هو ظاهر لغتنا التي نتحدث بها او نستخدمها بنحو مألوف كلنا لنتدبر جيداً هذا الموضوع ما دمنا نقرأ الدعاء المذكور عبر حرصنا على فهم دقائقه وخاصة مورد الدعاء هو ان نتضرع الى الله تعالى بحق المعصوم(ع) ان يستجيب لنا في انجاز حاجاتنا المتنوعة اخروياً ودنيوياً ومنها ما يرتبط بفلسفة الموعظة والذكر...
اذن: لنتحدث عن هذه الجوانب ...
ستتساءل اولاً عن معنى الذكر والموعظة والفارق بينهما، وهذا ما نحاول القاء الانارة عليه، فنقول: (الذكر) هو مطلق ما نتسحضره في اذهاننا من الادعية او المعاني المرتبطة بالله تعالى وبكلمة اكثر وضوحاً ان الذكر اولاً قد نقارنه بالاشكال الخاصة للادعية، وقد تقارنه بالمستويات التي نحيا بهابشكل او باخر حضور الله تعالى، ولعل الذكر لا يزال ملفعاً بالغموض من حيث معرفتنا بمصطلح الذكر، وهو ما يقتادنا الى طرحه بنحو اخر فنقول ان "الذكر" من زاوية ما قد يطلق ويراد به الدعاء القصير مقابل الدعاء المتسم بالطول او الوسط وقد يطلق ويراد به الدعاء المنطوق قبالة الذكر القلبي، فالذكر المنطوق قبالة الذكر القلبي فالذكر المنطوق كما لو رددت عبارة اللهم صل على محمد وآل محمد واما الذكر القلبي فهو معايشتك للصلاة المذكورة دون ان نتلفظ بها...
اذن: هذا نمطان من الذكر احدهام ما تنتظمه ساعات قصار قبالة ما هو كبير او متوسط من الادعية والآخر، ما تتلفظ به عن الكلام قبالة ما تعايشه او تحياه في قلبك وذهنك...
وهناك نمط ثالث من الفارق بين مستويات الذكر وهو الذكر بمعنى الموعظة مقابل الاشكال التي حدثناك عنها، وهذا المستوى من معاني الذكر لا يشمل موضوعنا الذي نحدثكم عنه، لان الدعاء الذي يتلى في زيارة الجامعة يتوسل بالله تعالى بان يجعل الذكر والموعظة شعارنا ودثارنا، وهذا يعني ان الذكر ليس بمعنى الموعظة ولابد ان يختلف احدهما عن الآخر، حيث كررنا دائماً بان كلام او مطلق التعبير الشرعي يظل متسماً بالاعجاز الفني ولا يمكن بان نلحظ ترادفاً في النص الشرعي لانه خلاف البلاغة وخلاف الحكمة فلا يعقل ان يحذرنا المعصوم(ع) او يحثنا على موضوع متكرر المعنى، بلى يكرر كلاماً واحداً من اجل التأكيد لاهميته ولكنه لا يكرر معنى واحداً فمثلاً: لايقول لك احذر الاسد والليث لانهما معنى واحد، ولكنه يكرر احدهما وهو الليث او الاسد بهدف التأكيد المهم هدفنا الان هو ملاحظة الدقة البلاغية في هذا الدعاء، من حيث الفارق بين الذكر والموعظة فنقول: بالنسبة الى الموعظة فانها تحمل دلالة واحدة بعكس كلمة الذكر كما اوضحناها، ولذلك يمكنك ان تستخلص من عبارة الموعظة معنى واضحاً هو ان نعتبر بما نسمعه او نراه من الكلمات او العينات او الظواهر بعامة، كما لو ذكرنا احدهم بالموت، وباليوم الاخر، وبالمحاسبة، وبغضب الله تعالى وبرضاه... فيكون هذا التذكير من خلال الكلمات او من خلال مشاهدتنا جنازة الميت باعثاً لنا على ان نعتبر بهذا الحدث وذلك بان نعدل سلوكنا فنصمم على ممارسة الطاعة ونتذكر بان الله تعالى انما خلقنا فلكي نمارس وظيفتنا العبادية في الحياة تبعاً لقوله تعالى (وما خلقنا الجن والانس الى ليعبدوني) ومن ثم يكون التذكر المشار اليه باعثاً على تعديل سلوكنا.
وهذا هو المعنى بعبارة الموعظة ... واما الذكر فمن الممكن ان يكون بمعنى الموعظة ايضاً وهو غير مقصود في هذا الدعاء بل يكون موشحاً بجملة معان سبق ان اوضحناها في مقدمة لقاءنا الحالي، ولكن المهم هو ملاحظة هذه المعاني من جانب ثم ملاحظة الموعظة من جانب آخر ومن ثم ملاحظة ما ذكره الدعاء وهو: ان نجعل كلاً من الموعظة ومن الذكر شعارنا ودثارنا، وهذا ما نحدثكم عنه في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى....
اما الآن حسبنا ان نذكر انفسنا باهمية الذكر وباهمية الموعظة حتى يحملنا ذلك على تعديل سلوكنا العبادي والتصاعد به الى النحو المطلوب.
*******