لا نزال نحدثكم عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات البلاغية كالتشبيه والاستعارة ونحوهما مما يسهم بلا شك في تعميق المعنى وبلورة دلالاته ومن ذلك ما حدثناكم عنه في لقاءات سابقة بالنسبة الى احد الاذكار وهو الذكر الخاص عنه المطالعة حيث ورد على هذا النحو (اللهم اخرجني من ظلمات الوهم، واكرمني بنورالنعم، اللهم افتح علينا ابواب رحمتك وانشر علينا خزائن علومك برحمتك يا ارحم الراحمين) عدا الفقرة او الاستعارة الاخيرة وهي (وانشر علينا خزائن علومك) وهذا ما نحدثكم عنه الآن...
في لقائنا السابق اوضحنا العبارة او الاستعارة المتوسلة بالله تعالى ان يفتح لنا ابواب رحمته وبينا الاسرار الكامنة وراء الاستعارة المذكورة أي (فتح ابواب الرحمة) ونعتزم الان ان نحدد الفارق بين ابواب الرحمة وخزائن العلوم ما دام الامر متصلاً بالحديث عن صلة هذا الذكر اساساً بعملية القراءة او المطالعة لنص من النصوص او لموضوع من الموضوعات ولذلك نتساءل قائلين لماذا خلع هذا الذكر طابع الابواب المفتوحة بالنسبة الى رحمة الله تعالى وخلق طابع نشر الخزائن بالنسبة الى العلوم؟...
قد يستخلص احدنا بان الفارق هو ان الذكر المشار اليه التوسل بالله تعالى ان نبشر علنياً رحمته اولاً وهي عامة تشمل جميع الموارد ومنها خزائن العلوم فيكون الدعاء المذكور قد توسل اولاً بالله تعالى بما هو عام ثم بما هو خاص أي توسل بالرحمة اولاً ثم بما هو احد مصاديقها ونعني به خزائن علومه تعالى ... وهذا الاستخلاص له وجاهته ومنطقه.. ولكن بما ان الدعاء ذكر قضية خزائن العلوم مفتوحة على ابواب الرحمة، فان الموضوع حينئذ سيكون له دلالة اخرى وهذا ما نستهدف الاشارة اليه الآن....
من الواضح انه لا تضاد بين ان نطلب من الله تعالى ان يشملنا برحمته في كل شيء ثم نطلب كذلك بان يتفضل علينا برحمة خاصة هي ان ينشر علينا خزائن علومه... والان مع معرفتنا بهذه النكتة نتجه الى طرح سؤال اخر، وهو ما نستهدفه من النكتة الكامنة وراء الاستعارة المتوسلة بالله تعالى بان ينشر علينا خزائن علومه أي لماذا خلع الدعاء طابع الخزائن على العلوم بينما خلع طابع الابواب على الرحمة وقد اجبناكم ـ في لقائنا السابق ـ على السؤال المذكور بالنسبة الى ابواب الرحمة ونحدثكم الان عن خزائن العلوم فنقول:
بما ان الرحمة هي عامة حينئذ فان الابواب هي العبارة المناسبة لسعة رحمته كما لو فتح لنا باب الرزق او الصحة او الامن ... ومنها الباب الخاص بالحصول على المعرفة والعلوم والان بعد ان فتح باب الرحمة ومنها باب المعرفة عندئذ نتجه الى توسل اخر هو سعة المعرفة ايضاً أي بما ان رحمته تتسم بالسعة ولذلك توسل الدعاء بان ينشر علينا الله تعالى خزائن علومه والسؤال الجديد هو لماذا استخدم الدعاء استعارة الخزائن بالنسبة الى العلوم ولم يستخدم عبارة الابواب المفتوحة.
الاجابة تتضح تماماً اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان للعلم او المعرفة ضروباً متنوعة من جانب وانها ليست بمتاحة لكل واحد من جانب اخر حيث ان المواهب او الامكانات العلمية متفاوتة لدى الاشخاص تبعاً لدرجة ذكائهم بصفة ان الذكاء قد يتحدد غالياً في نسبته المتوسطة وقد يتجاوز المنحني المتوسط لدى البعض من الاشخاص الموهوبية هذا من جانب ومن الجانب الاخر قد يتاح لشخص من المعرفة ما هو بحدود وقد يوفق الى معرفة غير محدودة نسبياً او سعة لشخص اخر ولذلك فان الدعاء المذكور يتوسل بالله تعالى ان ينشر علينا خزائن علومه أي ليس المعرفة المحدودة يضرب من المعرفة بل الاكثر بالاضافة الى ان الخزائن بطبيعتها غير متاحة لاي شخص من هنا نتبين النكتة الكامنة وراء الاستعارة المتوسلة بالله تعالى بان ينشر علينا اولاً خزائن المعرفة أي يجعلها متاحة ثم بان يجعلها متنوعة وليس مقتصرة على معرفة واحدة.
اذن: اتضح لنا جانباً من الاستعارة المتقدمة من حيث نكاتها بيد ان الاهم من ذلك هو ان نستثمر هذه المعرفة دواماً أي عندما تتوفر على القراءة او المطالعة لموضوع ما فان المفروض ان نستثمر هذه الخزائن التي نشرها الله تعالى علينا فنعمل بها من جانب ونرشد بها الاخرين من جانب وهذا ما يتطلب توفيقاً من الله تعالى وتصميماً منا على ممارسة وظيفتنا المذكورة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******