نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تنطوي عليه من دقائق المعاني ونكات البلاغة، ومن ذلك ما حدثناكم عنه في لقاءات سابقة بالنسبة الى احد الادعية التي تتلى في زيارة الجامعة، حيث ورد في الدعاء المذكور (اللهم اجعل الصحة والنور في سمعي وبصري، والجدة والخير في طرقي، والهدى والبصيرة في ديني ومذهبي)... ومع ان هذه الفقرة بالنسبة الى ما سبقتها تعتبر كلاماً غير مجازي الا انها تتضمن جملة نكات دقيقة يحسن بنا ان نحدثكم عنها...
ان ما ينبغي لفت النظر اليه هو ان قارئ الدعاء سوف يواجه عبارتين يحسبها وكأنهما بمعنى واحد، وهما اولاً: الكلام المتوسل بالله تعالى بان يجعل الهدى والبصيرة في ديني قارئ الدعاء ومذهبه ان قارئ الدعاء قد يقول ما هو الفارق بين الهدى وبين البصيرة؟ ثم ما هو الفارق بين الدين والمذهب؟.. أليس الهدى هو ما يقود الشخص الى معرفة الحق؟ ثم أليس البصيرة كذلك، لانها تبصير بمعرفة الحق؟ ثم من الجانب الاخر اليس الدين هو المذهب؟ أي أليس كلاهما يعنيان الموقف الفكري من الله تعالى والوجود والكائن البشري، فمثلاً في الايمان بالاسلام؟ واذا كان الامر كذلك فما هي الفوارق بين الكلمات المذكورة؟ ان قارئ الدعاء من حقه ان يتساءل عن الفوارق بين الكلمات التي يتجه بها الى الله تعالى، حيث ان ادب الدعاء يفرض عليه ذلك كما ان مصلحته الشخصية في التعامل مع الله تعالى من خلال استجابة دعائه او كسب رضاه تعالى تفرض على قارئ الدعاء ان يفهم الكلام الذي يتجه به الى الله تعالى.
والى ضوء هذه الحقائق سنتحدث عن الموضوع المتقدم...
بالنسبة الى الفارق بين الهدى وبين البصيرة يمكننا ان نذهب الى ان البصيرة هي مرتبة اعلى من سابقتها الهدى او لنقل ان الهدى هو مرحلة اولى، والتبصير مرحلة تتعالى على سابقتها... كيف ذلك؟
من الواضح ان الهداية هي معرفة الحق، نتمثله في ان يرشد عقلنا الى الايمان بالله تعالى وبالاسلام وبمحمد(ص) وباهل البيت عليهم السلام .... لكن الايمان المتقدم متفاوت في درجاته من شخص الى آخر بصفة ان التطبيق او العمل بالمبادئ التي تجسد مفهومات الله تعالى والاسلام والنبي(ص) واهل البيت عليهم السلام قد تتم بمستوى عادي من الوعي وقد تتم بمستويات عالية حتى تصل الى قمة المعرفة التي يخص الله تعالى بها اولياءه المصطفين ... من هنا فان البصيرة تجسد هذا النمط من الوعي الصاعد ولذلك ورد في الزيارات الخاصة بالمعصومين عليهم السلام ومن يليهم من الشخصيات المقربة سمات البصيرة من حيث التقويم للشخصيات المذكورة.
واما بالنسبة الى الفارق بين الدين والمذهب، فان الدين يظل العبارة الاوسع دلالة أي: هو الاعتقاد بمبادئ خاصة، كالاسلام بالنسبة الينا، تبعاً لقوله تعالى (ان الدين عند الله السلام) ولكن المذهب كما نحتمل ذلك هو الاتجاه الاكمل وعياً أي الخطوط المجسدة للوعي الكامل كمذهب اهل البيت عليهم السلام، من هنا يمكننا ان نقرر بان البصيرة هي مفضية الى المذهب الحق كما ان الهدى هو المنضي الى الدين الاسلامي... وبذلك نتبين عبر قراءتنا لهذه الفقرات من الدعاء ان التوسل بالله تعالى يظل حائماً على ذروة ما نتصوره او نتطلع اليه من المعرفة التي يريدها تعالى لنا، مقرونة بالعمل بطبيعة الحال...
اذن: امكننا ان نتبين بوضوح ما ترمز اليه العبارات المتقدمة وهي الهدى والبصيرة من جانب والدين وكذلك المذهب من جانب آخر والاهم من ذلك هو ان نترجم قراءتنا في الدعاء الى عمل وذلك بتدريب ذواتنا على اداء وظيفتنا العبادية الواعية والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******