بسم الله وله الحمد والثناء ذوالفضل والإنعام، وأزكى صلواته وأطيب تحياته وأكرم بركاته على أسوة عباده الصالحين محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله وبركاته، تحية طيبة مباركة نهديها لكم وندعوكم بها لمرافقتنا في حلقة اليوم من هذا البرنامج وطائفة أخرى من خصال أحباء الله وعباده الصالحين نستلهمها من الدعاء الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، وفيه يعلمنا مولانا الإمام زين العابدين أن نطلب من الله عزوجل التحلي بصفات الصالحين ومنها ما يشير إليه في المقطع السادس عشر منه حيث يقول: "اللهم وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى ووفقني للتي هي أزكى واستعملني بما هو أرضى.. يا أرحم الراحمين".
في هذا المقطع من الدعاء الشريف نتعرف أعزائنا على أربع من زاكيات الخصال التي يحبها الله عزوجل لعباده الصالحين.
الأولي هي من مصاديق حسن الإستفادة من نعمة اللسان والبيان، فإن من سيماء الصالحين إستعانتهم بالله جلت قدرته لكي يكون كلامهم بينا واضحا من جهة وهذا ما طلبه كليمه موسى – على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام – حيث دعا الله عزوجل قائلا كما في الآيات الخامسة والعشرين والثامنة والعشرين من سورة طه: " قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي{۲٥} وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي{۲٦} وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي{۲۷} يَفْقَهُوا قَوْلِي{۲۸}" أي إن من صفات الصالحين اهتمامهم أن يكون نطقهم بالهدى بمعنى الكلام الواضح البين، وهذا من معاني (الهدى) كما ذكر علماء البلاغة وشارحو الصفيحة السجادية، وثمة معنى آخر مكمل له نشير إليه بعد قليل فكونوا معنا.
مستمعينا الأفاضل، المعنى الثاني للنطق بالهدى هو الكلام بما فيه هداية المخاطبين إلى ما فيه الوصول إلى مطلوبهم وصلاحهم.
وقد عرفنا من المقطع الثالث عشر من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال أن من خصال الصالحين حرصهم علي الإنشغال بذكر الله عزوجل وحمده وتمجيده، فيكون معنى صفة (نطقهم بالهدى) مكملا لصفة انشغالهم بذكر الله عزوجل أي أنه نوع من ذكر الله علي الصعيد الإجتماعي فيكون كلامهم نطقا بالهدى الإلهي، أي تعريفا لخلق الله عزوجل بجمال الله وجلاله وسعة رحمته وطرق الوصول إليه والتقرب منه تبارك وتعالى وتحبيبه إلى الخلائق لكي يتوجهوا إليه، وهذه من أزكى صفات الأنبياء والأولياء – عليهم السلام –.
أيها الإخوة والأخوات، والصفة الثانية من صفات أحباء الله التي نستفيدها من المقطع السادس عشر من دعاء (مكارم الأخلاق) هو أنهم يطلبون من ربهم الكريم (التقوى الإلهامية)، وهذا النمط من التقوى أعلى مرتبة وأعظم بركة من التقوى العادية المألوفة.
ففي التقوى الكسبية العادية يسعى المؤمن للإحتراز من غضب الله بترك المعاصي ويتقرب إليه جل جلاله بالعمل بما يحبه ويرضاه، وهو في ذلك يتقي الله بترك ما عرفه من المعاصي وبالعمل بما علمه من الطاعات.
أما في (التقوى الإلهامية) التي يتحلى بها عباد الله الصالحون، فهم يتقون الله عزوجل بترك ما لا يعرفونه من المعاصي وبالعمل بما لا يعلمونه من الطاعات التي يحبها الله تبارك وتعالى.
وتحقق ذلك يكون بأن يطلبوا من ربهم العليم والكريم تعريفهم بما لا يرضاه من المعاصي الخفية كمصاديق الشرك الخفي الذي يقع فيه كثير من المؤمنين كما يشير لذلك قوله عزوجل في الآية السادسة بعد المئة من سورة (يوسف) "وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ" وبعد التعرف على هذه المصاديق الخفية للمعاصي يجتهدون في اجتنابها.
أعزائنا المستمعين، الصفة الثالثة المستفادة من المقطع المتقدم من دعاء مكارم الأخلاق، فهي أن عباد الله الصالحين. يجتهدون دوما في طلب التوفيق الإلهي للحصول على أزكى الحالات الروحية والمعنوية السامية، أي أعظمها بركة وثوابا وأشدها ثباتا واستقرارا كالإستقامة والثبات على الحب في الله والبغض فيه عزوجل وموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ونظائر هذه الحالات القلبية الطيبة.
أما في مجال الأعمال فإن أحباء الله يتحلون بصفة الإجتهاد في طلب المعونة والتوفيق والتسديد منه عزوجل في القيام ليس بصالحات الأعمال فقط بل بالإهتمام بأحب الأعمال إليه جل جلاله وأقربها إلى رضاه الكامل تبارك وتعالى.. فهم يسعون دائما إلى الأفضل من صالحات الأعمال وفقنا الله وإياكم لها ببركة التمسك بعروته الوثقى وحبله المتين قرآنه المبين وعترة حبيبه سيد المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.
نشكر لكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران طيب الإستماع لحلقة اليوم من برنامجكم (سيماء الصالحين)، مسك ختامها هو المقطع السادس عشر من دعاء مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال الذي تناولنا فيه وهو: "اللهم وأنطقني بالهدى وألهمني التقوى ووفقني للتي هي أزكى واستعملني بما هو أرضى.. يا أرحم الراحمين".