بسم الله وله الحمد خير الغافرين وأكرم التوابين وأرحم الراحمين، والصلاة والسلام على وسائل توبته ومعادن حكمته وكنوز رحمته ورضوانه سيد أنبيائه أسوة الصالحين محمد وآله الطاهرين.
سلام من الله عليكم إخوتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في هذه الحلقة من برنامجكم (سيماء الصالحين) نتعلم فيها مجموعة أخرى من خصال أحباء الله وذلك من الدعاء السجادي المبارك الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال) وقد انتهينا إلى المقطع الخامس عشر منه حيث يقول مولانا الإمام زين العابدين – صلوات الله عليه – مناجيا أكرم الأكرمين: "اللهم، إلى مغفرتك وفدت، وإلى عفوك قصدت، وإلى تجاوزك اشتقت، وبفضلك وثقت، وليس عندي ما يوجب لي مغفرتك ولا في عملي ما أستحق به عفوك، وما لي بعد أن حكمت على نفسي إلا فضلك، فصل على محمد وآله وتفضل علي يا أرحم الراحمين".
أيها الأحبة، في المقطع المتقدم من الدعاء يعلمنا مولانا الإمام السجاد – عليه السلام – خصلة محورية من الخصال الزاكيات لأحباء الله وعباده الصالحين وهي كونهم يرجون دائما مغفرة الله وعفوه وتجاوزه، ويتجنبون المن عليه جل جلاله بصالحات أعمالهم، بل يرونها من فضل الله وعطائه عزوجل، ولذلك فهي منه ولا يستحقون بها المغفرة والعفو والرضوان، فإذا طلبوا المغفرة طلبوها من فضل الله لا كنتيجة لصالحات أعمالهم.
والسر في ذلك – مستمعينا الأفاضل – هو الإنسان إذا نظر إلى أعماله الصالحة وتوهم أنه استحق بها لذاتها مغفرة الله وعفوه ورضوانه، فقد وقع في داء العجب الوبيل، في عبودية النفس ويبعده عن عبودية الله، وبالتالي يجره – تدريجيا – إلى الإستجابة لأهوائها والخضوع لأسرها والإخلاد إلى الأرض، فيكون حاله حال بلعم بن باعورا الذي روي أنه كان عنده الإسم الأعظم ولكن إعجابه بأعماله الصالحة ساقه إلى العجب بالنفس وبالتالي اتباع هواه، فكانت عاقبته السوأى..
أيها الإخوة والأخوات، لقد حذرنا الله عزوجل من مصير أمثال بلعم بن باعورا ودعانا إلى التدبر في سوء عاقبتهم، والحرص على طلب حسن العاقبة من الله تبارك وتعالى، والإتكال على فضله وليس على أعمالنا الصالحة التي يمكن أن ينسفها العجب بها، فالعجب بها مدخل من مداخل الشيطان التي يجعل الإنسان بواسطتها ينسى فضل الله عزوجل عليه ويتوهم أن ما عنده قد حصل عليه بسعيه وحده، وعندئذ يوكله الله إلى نفسه فيقع أسيرا لأهوائها.
قال الله تبارك وتعالى في الايتين ۱۷٦ و۱۷٥ من سورة الأعراف مشيرا إلى قصة بلعم بن باعورا: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ{۱۷٥} وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ{۱۷٦}".
مستمعينا الأفاضل، من هنا كان من خصال عباد الله الصالحين أنهم يجتهدون في التقرب إلى الله جلت رحمته بالأعمال الصالحة، لكنهم لا ينظرون إليها مهما كثرت خشية من العجب بها الذي يوقع الإنسان في عبودية النفس، وإذا أنجاه الله من ذلك، فإن العجب يبقى يهدده بخطر آخر هو أنه يسلب الإنسان الإندفاعة المطلوبة لمواصلة السير باتجاه الفوز بمراتب أكمل وأعلى من الكمال عبر الإجتهاد في القربات وصالحات الأعمال.
وذلك – أيها الإخوة والأخوات – لأن العجب بالأعمال الصالحة وما يولده من توهم استحقاق المغفرة الإلهية والعفو والرضوان بها، يثبط الإنسان عن السعي للمزيد منها عن مواصلة السعي والإهتمام بعمل الصالحات، فنتوقف حركته التكاملية.
من هنا يعلمنا الإمام زين العابدين – صلوات الله عليه – أن ننظر باستمرار إلى فضل الله جلت رحمته ونطلب من فضله المراتب الأسمى من مغفرته وعفوه وتجاوزه، لكي نحفظ من جهة التوحيد الخالص في قلوبنا ونرسخ فيها العبودية الخالصة لله جل جلاله، هذا من جهة، ومن جهة ثانية لكي نتحصن بذلك من السقوط في هاوية عبودية النفس وأهوائها أعاذنا الله وإياكم من ذلك بفضله وببركة التمسك بولاية صفوة أوليائه محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وإلى هنا ينتهي أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، لقاؤنا بكم في هذه الحلقة من برنامج (سيماء الصالحين) ومسك ختامها هو في توجهنا معا مرة ثانية إلى أكرم الأكرمين طالبين منه كرامة الرجاء لفضله العميم قائلين: "اللهم، إلى مغفرتك وفدت، وإلى عفوك قصدت، وإلى تجاوزك اشتقت، وبفضلك وثقت، وليس عندي ما يوجب لي مغفرتك ولا في عملي ما أستحق به عفوك، وما لي بعد أن حكمت على نفسي إلا فضلك، فصل على محمد وآله وتفضل علي يا أرحم الراحمين".