بسم الله وله الحمد والثناء أن هدانا لمعرفة وموالاة أسوة الصالحين وقدوة الأتقياء صفوته النجباء سيد الأنبياء وآله الأصفياء صلواته وتحياته عليهم أجمعين. سلام من الله عليكم إخوتنا المستمعين، يسرنا أن نلتقيكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج وفيها نتعرف على صفات كريمة أخرى من صفات أحباء الله نستلهمها من المقطع الحادي عشر من دعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، حيث يقول فيه مولانا الإمام سيد الساجدين وزين العابدين – صلوات الله عليه –:
"اللهم صل على محمد وآله واجعل أوسع رزقك علي إذا كبرت، وأقوى قوتك في إذا نصبت، ولا تبتلني بالكسل عن عبادتك ولا العمى عن سبيلك ولا بالتعرض لخلاف محبتك، ولا مجامعة من تفرق عنك ولا مفارقة من اجتمع إليك يا أرحم الراحمين".
مستمعينا الأفاضل، يشتمل هذا المقطع من الدعاء الشريف على إشارات جميلة لخصال الصالحين في تعاملهم مع حالات الضعف والإجهاد أو الوهن التي لا يخلو بشر من الإصابة بها بين الحين والآخر، سواء كانت حالات ضعف بدني أو روحي، فكيف يتعامل أحباء الله مع هذه الحالات؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: إن الدعاء السجادي الشريف يعلمنا أن من مكارم أخلاق الصالحين ومن الأفعال التي يرتضيها الله لهم هو أنهم يلجئون إلى الله عزوجل ويطلبون عونه في شتي حالات الضعف والوهن المادي والمعنوي لكي لا يوقعهم الضعف والوهن فيما لا يحبه الله لهم.
ولذلك فإن من صفاتهم أنهم يطلبون من الله جلت قدرته سعة الرزق إذا تقدموا في العمر وصعب عليهم طلب أسباب المعيشة، كما أنهم يستقوون بالله القوي العزيز إذا تعبوا فيما يعملونه من صالحات الأعمال وإذا شق عليهم إنجازها.
وبعبارة أخرى فإن من خصال أحباء الله أنهم لا يتركون العمل الصالح بسبب الصعوبات والمشاق التي تعترض طريقهم للقيام به، بل يجتهدون في إزاحة هذه العقبات وإذا تعبوا استعانوا واستقووا بالله للتغلب عليها.
أيها الإخوة والأخوات، ومن حالات الضعف والوهن الروحي التي تصيب الإنسان أحيانا، حالة الكسل والتقاعس عن العبادة، ومن خصال عباد الله الصالحين أنهم لا يحبون هذه الحالة ويجاهدونها باستمرار، فيروضون أنفسهم للتحرر منها من خلال التفكر في النصوص الشريفة المبينة لفضائل العبادة وجليل بركاتها الكثيرة في كمال وتكامل الإنسان ومنحه السكينة الروحية والطمأنينة النفسية وزيادة الرزق والسلامة فضلا عن بركاتها الأخروية الكثيرة وعظيم ثوابها وأجرها.
وإلى جانب ذلك فهم يستعينون بالله جلت قدرته لكي يزيح عن نفوسهم الكسل عن العبادة ويرزقهم النشاط فيها.
كما أن من صفات الصالحين الزاكية التورع عن أن تسيطر عليهم حالات الملل والضجر المعنوي فتؤدي إلى منعهم من رؤية الصراط الإلهي المستقيم وبالتالي الإنحراف عنه.
وبعبارة أخرى، فإن أحباء الله لا يسمحون لأي حالة من حالات الضعف والضجر بأن تشغلهم عن التوجه إلى الله عزوجل والعمل بالصالحات التي تمثل زاد ووقود السير على الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى كل خير.
أيها الإخوة والأخوات، ومن سيماء عباد الله الصالحين أنهم يجاهدون حالات الضعف البدني والروحي ومنعها من أن توقعهم في أفعال لا يحبها الله جل جلاله.فمثلا عند الغضب أو الحزن الشديد أو الفرح الغامر وسائر الإنفعالات المشابهة، لا يسمحون لأنفسهم بتجاوز حالات الإعتدال فيعترضون بذلك لخلاف محبة الله ورضاه عزوجل، فلا يوقعهم الحزن في الجزع ولا الغضب في الإنتقام ولا الفرح في الغفلة.
مستمعينا الأفاضل ومن الخصال الطيبة الأخرى لأحباء الله أنهم يجعلون التوحيد الخالص محور جميع سلوكياتهم بل ومشاعرهم أيضا فولاءاتهم وبراءاتهم إلهية، فيتبرؤون ممن تفرق عن الله عزوجل أيا كان ويوالون من اجتمع إليه عزوجل أيا كان، والمراد بتعبير (من تفرق عن الله) هم الذين كان يسيرون على الصراط المستقيم ويتمسكون بولاية الله وأوليائه ثم انحرفوا عنها، وفي المقابل فإن المراد بتعبير (من اجتمع إلى الله) هم الذين كانوا بعيدين عن طاعة الله وولايته ثم ابوا إليها.
وبهذا نصل إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (سيماء الصالحين) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، وفي نهايتها نتوجه معا إلى الله عزوجل طالبين منه العون على التحلي بما أشرنا إليه من صفات عباده الصالحين، فنقول:
"اللهم صل على محمد وآله واجعل أوسع رزقك علي إذا كبرت، وأقوى قوتك في إذا نصبت، ولا تبتلني بالكسل عن عبادتك ولا العمى عن سبيلك ولا بالتعرض لخلاف محبتك، ولا مجامعة من تفرق عنك ولا مفارقة من اجتمع إليك يا أرحم الراحمين".