بسم الله وله عظيم الحمد وخالص الثناء على كبرى النعماء والآلاء، معرفة ومودة وموالاة، قدوة الصالحين وأسوة الصادقين حبيبنا المصطفى الأمين وآله الطيبين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.
سلام من الله عليكم إخوتنا وأخواتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم لكي نتعرف معاً على صفات أخرى من صفات أحباء الله وعباده الصالحين التي جمعها لنا الدعاء الشريف الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، من أدعية صحيفة مولانا زين العابدين (عليهم السلام).
قال (صلوات الله عليه) في المقطع الثالث من هذا الدعاء المبارك:
"اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.. يا أرحم الراحمين".
أيها الأحبة، ينبهنا إمامنا سيد الساجدين (عليه السلام) في هذا المقطع إلى واحدة من أهم صفات عباد الصالحين، وهي قوة مراقبتهم للنفس وكمال إجتهادهم في دائرة العبودية الصادقة لله عزوجل وكبح جماحها عن الخروج الى دائرة الطغيان والتعالي والتفاخر على خلق الله جل جلاله ولو بالصفات الحميدة.
ففي هذه الفقرة من الدعاء يعلمنا الإمام زين العابدين (عليه السلام) أن نطلب من الله عزوجل أن يوجد فينا حالة من الشعور بضعف وضعة النفس مع كل درجة من الرفعة يرفعنا بها بين الناس، وكذلك نطلب منه تبارك وتعالى أن يوجد فينا شعوراً بذلة باطنية مع كل عز ظاهر يتحفنا به بين الناس.
والسر في ذلك أن تحقق هذا الطلب هو الذي ينقذنا من الكبر والعجب ويحلينا بالتواضع في الله لخلق الله عزوجل، قال حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله)، (طوبى لمن تواضع في غير منقصة وذل في نفسه من غير مسكنة).
مستمعينا الأفاضل، إن الرفعة وتسنم المنزلة المحترمة بين الناس سوء، كانت نتيجة لقدرة دنيوية أو نتيجة للتحلي بالأخلاق الفاضلة، أي سواء كانت هذه الرفعة نتيجة لمميزات دنيوية أو دينية، فهي في كلا الحالتين تثير في نفس الإنسان نزعات التكبر والعجب والتفاخر على الناس والتعالي عليهم.
وهذه النزعات تدمر روح الإنسان وتضر بعبوديته لله عزوجل إذا استسلم لها، لأن فيها مرتبة من مراتب الأهواء النفسانية واتخاذها إلهاً يضل الإنسان كما حذر من ذلك القرآن الكريم.
قال الإمام السجاد (عليه السلام): "كفى بالمرء فتنة أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا". وقال مولانا أميرالمؤمنين ومولى الموحدين الإمام علي (عليه السلام): "ما أرى شيئاً أضر بقلوب الرجال من خفق النعال وراء ظهورهم"، أي من أعجاب الناس بهم وحصولهم على الرفعة والعز الظاهري بين الناس.
لذلك فإن من صفات أحباء الله والصادقين في عبوديته، هي أنهم يعالجون الشعور بالرفعة والعزة بين الناس باستشعار مقابل لحقيقة أن الإنسان هو ضعيف حقير وذليل بذاته، فإن ظهرت له رفعة وعزة فهي من الله عزوجل، وباستشعار هذه الحقيقة يتخلصون من الكبر والعجب ويتحلون بالتواضع لله عزوجل ولخلقه.
روي في الحديث الصحيح عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من تواضع لله رفعه الله ومن تكبر خفضه الله)، وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (إن التواضع يزيد صاحبه رفعة فتواضعوا يرحمكم الله).
وفي حديث صحيح أيضاً مروي في كتاب الكافي، قال مولانا الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): إن في السماء ملكين موكلين بالعباد فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه).
وروي عن عمرو بن شيبة قال: كنت بمكة بين الصفا والمروة فرأيت رجلاً راكباً بغلة وبين يديه غلمان، فإذا هم يعنفون الناس (لكي يفسحوا له الطريق)، ثم عدت بعد حين فدخلت بغداد، فكنت على الجسر فإذا أنا برجل حاف حاسر طويل الشعر، فجعلت أنظر إليه وأتأمله، فقال لي: ما لك تنظر إلي؟ فقلت له: شبهتك برجل رأيته في مكة ووصفت له تلك الصفة (التي كان عليها من التكبر)، فقال: أنا ذلك الرجل، فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال: إني ترفعت في موضع تتواضع فيه الناس، فوضعني الله حيث تترفع الناس!
أعزائنا المستمعين، وخلاصة الكلام هي أن من صفات عباد الله الصالحين عميق تواضعهم لله ولخلق الله من غير منقصة وتذللهم في أنفسهم من غير مسكنة، فهم قد عرفوا حقيقة ضعف النفس وذلتها إلا بالله فيه عزوجل تكون عزيزة قوية، ولذلك فهم لا يوقعهم إعجاب الناس بهم أو تسنمهم مراتب الرفعة والعزة بين الناس في التكبر والعجب، بل يزيدهم ذلك تواضعاً لله فيزيدهم الله رفعة بين خلقه.
وبهذه الخلاصة ننهي هذه الحلقة من برنامجكم (سيماء الصالحين) استمعتم لها أعزاءنا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، ومسك الختام هو أن نطلب من الله عزوجل العون في التحلي بهذه الصفة الجليلة من صفات أحبائه قائلين:
"اللهم صل على محمد وآل محمد، ولا ترفعني في الناس درجة الا حططتني عند نفسي مثلها، ولا تحدث لي عزاً ظاهراً إلا أحدثت لي ذلة باطنة عند نفسي بقدرها.. يا أرحم الراحمين".