بسم الله والحمد لله الذي هدانا لمودة وموالاة قدوة الصالحين وأسوة الصادقين عروته الوثقى وحبله المتين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم إخوتنا وأخواتنا وأهلا بكم في حلقة أخرى من هذا البرنامج نسعى فيها معاً لمعرفة طائفة من صفات أحباب الله التي هدانا إليها مولانا الإمام علي بن الحسين زين العابدين (سلام الله عليه) في دعائه الشريف الموسوم بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال).
جاء في المقطع الثالث من هذا الدعاء المبارك:
"اللهم صل على محمد وآل محمد واكفني ما يشغلني الإهتمام به واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيامي فيما خلقتني له وأغنني وأوسع علي في رزقك ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتلني بالكبر وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب وأجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر يا أرحم الراحمين".
أحبتنا، أولى صفات أحباء الله الصالحين التي نستفيدها من هذا المقطع من الدعاء السجادي هي كونهم يوجهون كل أعمالهم باتجاه الغاية التي خلقهم الله عزوجل من أجلها.
وهذه الغاية كما بينتها لنا النصوص الشريفة هي بلوغ مراتب الكمال والقرب من الله عزوجل بمعرفته وطاعته والإستغناء به عما سواه، روى الشيخ الصدوق في كتاب علل الشرائع عن إمامنا الصادق (عليه السلام) قال: "خرج الحسين بن علي عليهما السلام على أصحابه فقال: أيها الناس، إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة سواه ". فقال له رجل: يا ابن رسول الله، بأبي أنت وأمي، فما معرفة الله؟ قال (عليه السلام): "معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته".
إذن فالصفة المحورية لعباد الله الصالحين هي استثمارهم لكل أوقات أيامهم في العمل بالطاعات والأعمال التي تقربهم من الله عزوجل وتوصلهم إلى الكمال الذي خلقهم الله عزوجل ليفوزوا ببركاته، فيستغفرون أيامهم، أي يستثمرونها من أجله ويعملون بما يسألهم عنه يوم القيامة، أي بالطاعات التي توصلهم إلى الغاية من خلقهم ورضا ربهم عنهم.
ولذلك فإن من صفات الصالحين اجتنابهم الإهتمام بأي شيء يشغلهم عن الطاعات والأعمال الصالحة التي يتقربون بها الى ربهم عزوجل، فهم يطلبون من الله عزوجل أن يكفيهم هذه الأمور لكي لا ينشغلوا بها عن فعل الخير، ويطلبون منه جلت نعماؤه أن يوسع عليهم في أرزاقهم لكي لا يشغلهم الإنهاك في طلب الرزق عن العمل للغاية التي من أجلها خلقوا، فيكون طلبهم للرزق استجابة لأمر الله جل جلاله وبالمقدار الذي لا يشغلهم عن السعي لتحصيل المراتب العالية من معرفته وعبادته عزوجل.
كما أن من صفات عباد الله الصالحين الإستغناء بالله عن الطغيان بالنعم الدنيوية ولذلك فهم يجتنبون (البطر) أي الطغيان بسبب ما في أيديهم من نعم الحياة الدنيا، ويحرصون على تقوية روح الإفتقار إلى الله باستمرار في قلوبهم.
وقد ورد في بعض نسخ الصحيفة عبارة (ولا تفتني بالنظر)، فيكون المعنى الإستغناء بالله عما في أيدي الناس فلا ينظر العبد الصالح إلى ما في أيدي الناس من زهرة الحياة، قال الله تعالى: "وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى" (سورة طه۱۳۱).
مستمعينا الأفاضل، واستغناء عباد الله الصالحين بالله عزوجل يجعل من صفاتهم البارزة كونهم أعزاء بالله، لكن عزتهم هذه لا تدفعهم إلى التكبر على الخلق كما يشير لذلك قول إمامنا السجاد (عليه السلام) في دعائه "وأعزني ولا تبتلني بالكبر".
ولذلك فإن من صفاتهم التواضع لخلق الله عزوجل واجتناب التكبر عليهم، وفي الوقت نفسه فهم متواضعون لله جل جلاله بدرجة أعلى وأشد تتمثل في التذلل له كما يشير لذلك الدعاء الشريف في عبارة "وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب".
وفي هذه العبارة إشارة لطيفة إلى أنهم في عبادتهم لله ينظرون إلى عظمته تبارك وتعالى فيخشونه، ولا ينظرون إلى أنفسهم فيصيبهم داء العجب بأعمالهم.
كما أن من صفاتهم تخلقهم بأخلاق الله وهي أشرف معالي الأخلاق، فهم يقبلون على عمل المعروف وإيصال الخير للناس، ولأنهم يرون الخير كله من الله عزوجل، لذلك لا يمنون على خلق الله نتيجة لما يقدمونه لهم من عون ومساعدات، فيكون ذلك سبباً لعصمتهم عن التفاخر على خلق الله، إذ يشعرون بأن كل ما يقدمونه من خير هو من عطاء الله لخلقه وليس عطاءً منهم.
أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، أما مسك ختام حلقة اليوم من برنامج (سيماء الصالحين)، فهو أن نتوجه معاً إلى الله ونطلب منه عزوجل توفيق التحلي بما عرفناه مما تقدم من صفات أحبائه، فنقول:
"اللهم صل على محمد وآل محمد واكفني ما يشغلني الإهتمام به واستعملني بما تسألني غداً عنه، واستفرغ أيامي فيما خلقتني له وأغنني وأوسع علي في رزقك ولا تفتني بالبطر، وأعزني ولا تبتلني بالكبر وعبدني لك ولا تفسد عبادتي بالعجب وأجر للناس على يدي الخير ولا تمحقه بالمن، وهب لي معالي الأخلاق واعصمني من الفخر يا أرحم الراحمين".