بسم الله والحمد لله الذي أكرمنا بمودة وموالاة قدوة الصالحين وأسوة الصادقين أنوار هدايته ورحمته في العالمين المصطفى المختار وآله الأطهار عليهم صلوات الله آناء الليل وأطراف النهار.
السلام عليكم مستمعينا الأطائب وأهلا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج نتعرف فيه على طائفة أخرى من صفات عباد الله الصالحين التي يهدينا إليها مولانا الإمام زين العابدين في دعائه الشريف المسمى بدعاء (مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال)، لنتدبر معاً في مقطعه الثاني حيث يقول (عليه السلام):
"اللهم وفر بلطفك نيتي وصحح بما عندك يقيني واستصلح بقدرتك ما فسد مني يا أرحم الراحمين".
مستمعينا الأحبة، نستفيد من العبارة الأولى من هذا المقطع أن من صفات عباد الله الصالحين هو اجتهادهم في أن تكون نياتهم (بلطف الله عزوجل) (موفرة)، فما معنى هذه الصفة.
معنى (وفر الشيء) في اللغة هو: أتمه وأكمله، فيكون معنى هذه الصفة أن نية العبد الصالح تكون تامة كاملة لا نقص فيها، أي لا يشوبها شرك ظاهر ولا شرك خفي، خالصة لله عزوجل، فعباد الله الصالحين هم الذين يخلصون لله في نياتهم، فيكون دافعهم لكل عمل هو التعبد لله وطاعته وطلب رضاه عزوجل، فلا يسمحوا لأي دافع آخر بأن يدخل في نيات أعمالهم.
وقد اختص رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضربة علي (عليه السلام) في يوم الخندق وقتله فارس المشركين عمرو بن ود العامري، بوصف أنها تعدل أو أفضل من عبادة الثقلين الجن والإنس الى يوم القيامة، وقد علل بعض العلماء هذا التخصيص بشدة ظهور الإخلاص لله عزوجل فيها، لأن عمرو بن ود لما أراد الإمام علي (عليه السلام) الإجهاز عليه شتم أمه، الأم الصالحة فاطمة بنت أسد سلام الله عليها، وعندما سألوه عن سر هذا الموقف بين (عليه السلام) أنه خشي أن يقتله بدافع غضبه فتركه حتى سكن الغضب ليكون قتله خالصاً لله عزوجل بالكامل.
أيها الأكارم، والصفة الأخرى من صفات أحباب الله عزوجل، هي التي نستلهمها من قول مولانا السجاد (عليه السلام): "وصحح بما عندك يقيني". فما هي هذه الصفة؟ للإجابة عن هذا السؤال نرجع الى حديث مولانا الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال: (من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله ولا يلومهم على ما لم يؤته الله) وكذلك قوله عليه السلام: "حد اليقين أن لا تخاف مع الله شيئاً".
ومن التدبر في هذين الحديثين الشريفين، نفهم أن من سيماء عباد الله الصالحين صحة يقينهم التي تظهر في سلوكهم بقوة الثقة بالله عزوجل وكونه مالك الأسباب جميعاً وبيده الأمر كله، فلا يخاف العبد الصالح شيئاً سواه عزوجل ولا يقدم رضا أحد على رضاه جل جلاله.
لاحظوا أحباءنا، تجلى اليقين في موقف الفتى الحسيني الأغر مولانا علي الأكبر (سلام الله عليه) في كلامه مع والده سيد الشهداء (صلوات الله عليه)؛ فقد روى المؤرخون أن الإمام الحسين وفي أحد منازل سيره الى كربلاء أخذته إغفاءة فانتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فسأله ولده علي الأكبر عن ذلك، فأخبره أنه رأى في رؤياه فارساً يقول: القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا، فقال علي: يا أبتاه لا أراك الله سوءاً أبداً، ألسنا على الحق؟ قال (عليه السلام): بلى والذي إليه مرجع العباد، فقال علي الأكبر: يا أبه فإذاً لا نبالي أن نموت محقين، فقال الحسين (عليه السلام): جزاك الله يا بني خير ما جزى به ولداً عن والده.
إذن مستمعينا الأفاضل، فإن من صفات عباد الله الصالحين أنهم يستصلحون بما عند الله عزوجل يقينهم به، أي يثقون بقدرة الله ولطيف تدبيره وجميل صنعه، فيحصلحون بذلك على صحة وسلامة اليقين الإيماني به عزوجل فيخشونه ولا يخشون سواه تبارك وتعالى.
أما الصفة الأخرى من صفاتهم، فهي التي نستنبطها من عبارة (واستصلح بقدرتك ما فسد مني)، فما هي الصفة التي نستفيدها من هذه العبارة؟
للإجابة عن هذا السؤال نقول: إن معنى الإصلاح هو السعي للحصول على الحالة المستقيمة النافعة ودفع الفساد عن النفس بما يعنيه من جميع أشكال النقص.
من هنا يتضح أن العبد يسعى باستمرار للاستعانة بالله عزوجل في إزالة جميع أشكال النقص والتحلي بأضدادها من مصاديق الصلاح، فهو في حركة تكاملية مستمرة وفي عملية تهذيب وتطهير مستمرة للنفس يجتهد في تحليتها بجميع أنواع الفضائل بجميع مراتبها ودرجاتها وتخليتها من جميع أشكال الرذائل بجميع مظاهرها ومراتبها أيضاً.
مستمعينا الأفاضل، لعل من أجمع النصوص الشريفة المبينة لصفة طلب الإصلاح الذاتي، قول إمامنا الكاظم (عليه السلام) في الحديث المروي عنه في كتاب الكافي أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى أيد المؤمن بروح منه تحضره في كل وقت يحسن فيه ويتقي، ويغيب عنه في كل وقت يذنب فيه ويعتدي، فهي معه تهتز سروراً عند إحسانه وتسيخ في الثرى عند إساءته، فتعاهدوا عباد الله نعمه بإصلاحكم أنفسكم تزدادوا يقيناً وتربحوا نفيساً ثميناً.
مستمعينا الأكارم، لنطلب من الله عزوجل العون للتحلي بالصفات الثلاث من صفات عباده الصالحين التي عرفناها في هذا اللقاء من برنامجكم (سيماء الصالحين) وهي: أن نياتهم في كل عمل يقومون به خالصة تطلب رضا ربهم وصلاح خلقه، والثانية تحليهم بصحة اليقين والثقة بربهم فلا يخشون سواه، والثالثة دوام سعيهم في إصلاح أنفسهم وتهذيبها.
لنطلب هذه الصفات السامية بالتوجه الى الله بكل قلوبنا ونحن ندعوه بالمقطع الثاني من دعاء مولانا زين العابدين (عليه السلام) في طلب مكارم الأخلاق ومرضي الأفعال فنقول:
"اللهم وفر بلطفك نيتي وصحح بما عندك يقيني واستصلح بقدرتك ما فسد مني يا أرحم الراحمين".