البث المباشر

الشاعر فريد الدين العطار النيسابوري - ۱

الأربعاء 26 يونيو 2019 - 12:31 بتوقيت طهران

ضيف البرنامج: الدكتور الاستاذ سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم مستمعينا الافاضل ورحمة منه تعالى وبركات. ونحن نلتقيكم عند حلقة جديدة من برنامج الأسبوعي «ذخائر العبر» وكلنا امل ان تقضوا معنا اجمل الاوقات وامتعها عند صيد آخر من الدروس والعبر التي تضمنتها كتب تراثنا الأدبي والصوفي. ندعوكم الى المتابعة.
المحاورة: أعزائي الكرام هذه الحلقة من البرنامج مخصصة على مدى قسمين لإستعراض رائعة الصوفي الشاعر الشيخ (فريد الدين العطار) الشيخ صنعان التي رواها لنا شعراً في ديوانه الشعري الخالد، المفعم بالدلالات والمفاهيم العرفانية والصوفية «منطق الطير»، حيث استضفنا خبير البرنامج الدائم الاستاذ الدكتور (سعد الشحمان) ليحدثنا في هذا القسم عن الشاعر الصوفي الكبير فريد الدين العطار شخصيته وأفكاره ورؤاه العرفانية وايضاً عن خصائص أسلوبه الشعري ومكانته بين الشعراء المتصوفين الآخرين. استاذ سعد الشحمان، أهلا وسهلا بك تفضل.
الشحمان: حياكم الله وقبل كل شيء نحييكم بتحية الاسلام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المحاورة: حياك الله.
الشحمان: وعلى الاخوة المستمعين الكرام ويسرنا ان نلتقيهم في هذه الحلقة ونحاول ان نزوّدهم ببعض المعلومات عن شعراءنا وادباءنا وعن الكتب والأسفار النفيسة التي حفل بها تراثنا الادبي والاسلامي. بالنسبة الى الاديب الذي سوف نتحدث عنه في هذه الحلقة او في هذا القسم كما تفضلتم من حلقة البرنامج اذ ان للحديث صلة ان شاء الله في الاسبوع القادم، نتحدث في البداية عن شخصية هذا الصوفي هذا الرجل الصوفي والعارف والاديب الكبير فريد الدين العطار النيسابوري كما يسميه الاخوة العرب هذه الشخصية حظيت بشعبية كبيرة بين المسلمين سواء كانوا من العرب او من الاخوة الايرانيين. يعتبر هذا الشاعر من الشعراء المتصوفين المتميزين الذين عاشوا في القرن السادس الهجري وكما اشرتم الى ذلك فأن من اهم اعماله كتاب منطق الطير وهذا الكتاب يحفل بالكثير من القصص حول الرحلة او السير العرفاني الي ينبغي للانسان ان يسلكه للوصول الى الحقيقة. هذا الرجل وكما يدل عليه لقبه ولد في مدينة نيسابور او نيشابور في خراسان، امضى طفولته في هذه المدينة وكان يتردد كثيراً على قبر الامام الرضا عليه السلام واكثر بعد ذلك من الترحال فزار العديد من المدن في العالم الاسلامي منها الري والكوفة ومصر ودمشق ومكة وما الى ذلك من مدن اسلامية وامصار واستقر اخيراً في مدينته التي ولد فيها وهي مدينة كدكن في مقاطعة خراسان حيث اختار العزلة وانشغل لمدة تسعة وثلاثين عاماً من حياته في جمع اشعار الصوفية واقوالهم وضمنها كتابه الشهير تذكرة الاولياء. طبعاً له الكثير من الكتب بالاضافة الى منطق الطير بالاضافة الى تذكرة الاولياء منها المنظومة الشهيرة المسماة مظهر العجائب او ربما كانت مظهر العجائب وهي عبارة عن منظومة طويلة نظمها الشاعر في مدح الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وفي الحقيقة له مؤلفات اخرى كثيرة منها الهي نامة ومختار نامة وخسرو نامة بالاضافة الى ديوانه الذي يعتبر من اشهر المثنويات من ناحية الصياغة الشعرية واما بالنسبة الى اسلوبه الشعري او طريقته في نظم الشعر والاغراض التي تضمنتها اشعاره يعتبر الشاعر في الحقيقة على خلاف شعراء عصره كان شاعراً ابي النفس، لم ينشد ولم ينظم القصائد في مدح الامراء والوزراء ولم يتزلف الى السلاطين واصحاب النفوذ كما كانت عادة الشعراء في ذلك العصر الذي كان يعيش فيه يعني لم يتخذ من شعره وسيلة للارتزاق والكسب بل انه فضل ان يعيش متواضعاً في بيته وفي دكانه يعني كان يمتلك دكاناً لذلك سمي بالعطار لأنه كان يبيع الادوية ويصف الادوية للمرضى فظل بعيداً عن بلاطات الملوك والامراء والحكام وقصورهم وفضل ان يرتزق من مهنته التي كانت محببة الى نفسه وهو يشير الى ذلك في شعر جميل جداً ومعبر جداً عن هذا المنحى الذي نحاه طيلة حياته يقول، طبعاً هذا الشعر مترجم الى العربية
المحاورة: يعني ما مضمونه.
الشحمان: نعم مترج الى العربية وهو شعر وله وزن وقافية يقول: لااريد خبر مرضى الطباع يكفيني مالدي من خبز اصبح غنى القلب زادي والحقيقة سري الذي لايفنى لم اكل طعام اي ظالم ولم اكتب كتاباً بأسم احد يعني يشير الى العادة المتبعة
المحاورة: يعني لايتملق لأي احد.
الشحمان: يعني لايتملق ولايؤلف الكتب بأسم الملوك والامراء. كفى بهمتي العالية ان تكون ممدوحتي، اذا اردت ان امدح احداً فسوف امدح همتي العالية ونفسي المليئة بهذه الهمة وتكفيني قوة جسمي وقوة روحي فلست راغباً في لقمة السلطان ولاصفعات الدربان، الدربان طبعاً هنا كلمة فارسية وتعني الحاجب يعني هذه كانت فكرة سريعة الهدف منها تقديم صورة عن هذه الشخصية المتصوفة والاديبة نرجو ان نكون قد وفقنا الى تقديم صورة كاملة وجامعة عنه.
المحاورة: مشكور الاستاذ سعد الشحمان اشكرك جزيل الشكر على هذه الايضاحات وهذه المعلومات التي تفضلت بها مشكوراً وان شاء الله كما قلت وانت تفضلت وقلت ان هذا البرنامج سيكون على قسمين.
الشحمان: نعم ان شاء الله نكمل حديثنا عن الشاعر وعن مؤلفاته.
المحاورة: نعم ان شاء الله، مستمعينا الأفاضل نعود الان الى اجواء قصة الشيخ صنعان لنستعرضها عبر الفقرات التالية من البرنامج ندعوكم الى المتابعة.
يروي لنا العطار ان رجلاً غلبت عليه مظاهر الدروشة والزهد وكان يدعى الشيخ صنعان. وكان قد قضى خمسين سنة من عمره في العبادة والرياضة الروحية، حتى استقطب حوله الكثير من المريدين قيل ان عددهم بلغ اربعمائة، انشغل بأرشادهم وتعليمهم مبادئ الصوفية. ورغم ان الشيخ كان قد ادّى مناسك الحج مراراً الا انه كان يؤدي شعائر العمرة بشكل منتظم بمجرد ان كانت تسنح له الفرصة. فلم يكن يفوته القيام بأية سنة وكان المرضى يجدون الشفاء عنده، يلتمس المحتاجون قضاء حاجاتهم لديه. الا ان الزمان لم يدم على هذه الحال فقد بدأ شيخنا يرى في منامه احلاماً كانت تزعجه. وكان من بينها منام عجيب رأى انه يتبوء منصباً رفيعاً في بلاد الروم، وانه يسجد لصنم رائع الجمال. فيقرر الشيخ السفر الى بلاد الروم ويقرر مريدوه السفر معه واصطحابه في هذه الرحلة حتى لايحرموا من ارشاداته. وبعد تطوافه في هذه البلاد اذا بعينه تقع يوماً على فتاة ساحرة الجمال والحسن من الراهبات. واذا بنار العشق تلتهب في قلب الشيخ من النظرة الاولى فينكبّ الشيخ على الفتاة ملتمساً منها الوصال. فما كان من المريدين وقد رأوا هذا المنظر الا ان عقدت الحيرة ألسنتهم وبهرت المفاجأة اذهانهم، فأنبروا ينصحون الشيخ ويعظونه دون ان يجدوا اذناً صاغية. وبعد مرور شهر علمت الفتاة بوله الشيخ بها وعشقه الجنوني لها. فما كانت الا ان انهالت عليه لوماً وتقريعاً قائلة له بسخرية: أين أنت ايها الرجل العجوز المسلم الذي أذلّه العشق مني، انا الفتاة النصرانية الراهبة المتمعتة بكل هذه النضارة والجمال، لقد انقضت ايامكم وولّى عهد شبابك. أفلا تستحي من عشق فتاة مثلي مقبلة على الحياة؟ لكن الشيخ لايعير أهمية لصد الفتاة عنه وتمنّعها عليه. فلقد ملك العشق كل وجوده وكان مستعداً لفعل اي شيء في سبيل الحصول على رضا الفتاة عنه. فما كان منه الا ان نبذ جانباً كل ورعه وعبادته وزهده وتقواه، ليقبل على شرب الخمر ويلف خصره بالزنار كالنصارى. الا ان الفتاة لاتقتنع بذلك ولاتكتفي به فما كان من الشيخ الا ان إرتمى بين يدي الفتاة ملتمساً ومتضرعاً اليها في أن ترحمه وترفق بحاله وتنقذه من هذا العذاب. فترثي له الفتاة ويهتزّ له قلبها بعض الشيء. فترضى ان تبادله العشق ولكن بشرط ان يرعى خنازيرها لمدة سنة كاملة. وبعد ان رأى المريدون ان شيخهم بلغ هذه الدرجة من الذل في عشقه بحيث ارتكب المحظورات في سبيل هذا الحب يأسوا من اصلاحه وهدايته، فتركوه وقفلوا عائدين الى بلادهم.
مستمعينا الاكارم نكتفي بهذا القدر من استعراض احداث الشيخ صنعان موكلين استعراض ما تبقى من أحداثها الى حلقة البرنامج القادمة، لنرى ما هو الموقف الذي ستقفه الفتاة ازاء هذا الانقلاب العجيب الذي طرأ على الشيخ ودفعه الى ان يتخلى عن حبه وعشقه المجنون لهذه الفتاة النصرانية في ليلة وضحاها. فحتى ذلك الحين استودعكم الله وكونوا في انتظارنا.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة