البث المباشر

جلال الدين محمد -۱٥

الإثنين 17 يونيو 2019 - 12:33 بتوقيت طهران
جلال الدين محمد -۱٥

في حياة الكثير من بني الانسان تكون هناك نقاط انعطاف وتغير، وهذه الحالة الاجتماعية انما مردها ان الانسان في اي زمان او مكان كان، يكون في حياته عرضة لمرتقيات ومنحنيات على منحى الحياة.
واذا كانت هذه قاعدة اجتماعية فان حياة الشاعر والعارف جلال الدين الرومي او المولوي لم تشذ عنها، ففي فترة من فترات حياته شاءت الصدفة ان يتعرف الشاعر مولوي على شخص عارف هو شمس التبريزي، لم يكن التعارف ما بين الاثنين شيئا عابراً بل ترك عميق الاثر في حياة جلال الدين، وكانت خلوته بشمس هذا الشخص الغريب الذي حلّ في مدينة قونية نقطة البداية لحياة جديدة او لنقل مرحلة جديدة من الحياة بالنسبة له.
اختلاء جلال الدين بشمس لم يكن اختلاء الزاهد بالزاهد ولا اختلاء رجل علم وفكر بآخر مثله، انما كان اختلاءا روحانيا جعل مولانا طليقا في سماء العرفان لا يحول دونه مانع في طريق العروج والسلوك العرفاني في سبيل الوصول الى الله.
ويذكر المؤرخون ان المولوي قد ترك بيته ومدرسته لكي لايعكر احد على الرجلين العارفين صفو اللقاء بما فيه من نقاء، لكن يا ترى اين كان موعد اللقاء؟ انه كان في بيت صلاح الدين زركوب الذي كان من تلاميذ الرومي والذي انجذب كاستاذه الى شمس تبريز منذ اللحظة الاولى من رؤيته.
لم يكن من كتاب او قرطاس في بيت صلاح الدين، مولانا كان من عادته المطالعة، لكنه نسيها ونسي ادواتها عندما راح يتجاذب اطراف الحديث العرفاني مع شمس، واستمر اختلاء مولانا بشمس ثلاثة اشهر او اكثر، وعلى مدى هذه المدة كانت اسرة المولوي تلتقي به نادراً.
وثمة سؤال يتبادر الى ذهن البعض هنا وهو ماذا كان موقف ولدي مولانا من شمس؟ يبدو ان الاخوين سلطان وفد وعلاء الدين لم يكن لهما موقف واحد ازاء شمس تبريز، سلطان ولد الابن الاكبر لمولانا سار على نهج ابيه فاظهر المحبة لشمس وذكره مثنيا عليه في كتابه (ولد نامه) او رسالة الولد. اما الابن الثاني لمولانا اي علاء الدين فقد اساء الظن بشمس اما مريدو مولوي الذين كانوا ينظرون الى شمس على انه رجل غريب فلم يكونوا مرتاحين من تواجده الى جانب استاذهم، ذلك انهم كانوا يرون فقيهاً وواعظاً شهيرا مثل جلال الدين يقف امام هذا الغريب، مثل طفل صغير اما استاذه في الكتاتيب.
لقد وجد مولانا جلال الدين وجوده في وجود شمس، ومن يوم لآخر كان يزداد انجذابا اليه، المولوي كان يحب شمسا اكثر من غيره، عرفان شمس الذين كان يتجاوز حدود الكتاب والقرطاس صار يفيض ويفيض على جلال الدين معارف جديدة راحب تنهمر على جلال الدين، كان جلال الدين يود ان يفدي كل شيء دروسه ومواعظه ومكانته ومنزلته من اجل شمس وبكلمة يمكن القول ان شمسا كان نافذة تفتح الى عالم الغيب امام عيني مولانا جلال الدين، وظل حال الرومي والتبريزي على ما كان عليه الى ان حل عام 644 للهجرة، ففي ذلك العام وقعت حادثة كانت مهمة جداً بالنسبة لمولانا حيث قتل شمس، ويقال ان القتلة كانوا من تلاميذ جلال الدين المولوي، وانهم اقدموا على ذلك حتى يخلصوا استاذهم من قوة تأثير هذا الشيخ وسحره كما تذكر بعض الكتابات.
ومع هذا فلم يرجع جلال الدين الى سابق عمله في الوعظ والارشاد وظل الى آخر حياته حبيساً لذلك التأثير الذي احدثه شمس تبريز فيه على الرغم من ان المدة التي التقيا فيها لم تزد على الخمسة عشر شهراً.
ويرى بعض من كتب عن حياة المولوي ان هذا التحول هو الذي اوجد الشاعر الكبير والمفكر والعارف جلال الدين الرومي، وهو الذي خلد اسمه بين اعلام الادب وارباب الفكر في العالم اجمع، وشجعه على كتابة وتأليف ما خلف لنا من كتب واشعار وجعله يواصل السير في الطريق العرفاني حتى آخر لحظة من حياته.
وفي كتاب بعنوان جلال الدين الرومي والتصوف واصله بالانجليزية لـ (ايفا دي فتراي) نقرأ ان مولانا وبعدما عرف ان صديقه شمسا قد مات ظل متأثرا زمنا طويلا، وقد كتب على باب حجرة شمس:

كنت ثلجاً وتحت اشعة شمسك ذبت شربتني الارض

ضباب الروح اتسلق الطريق الى الشمس

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة