بسم الله وله الحمد أنيس الذاكرين وأرحم الراحمين.. وأزكى صلواته وتحياته وبركاته على كنوز رحمته للعالمين المصطفى الأمين وآله الطاهرين السلام عليكم مستمعينا الأفاضل ورحمة الله، على بركة نلتقيكم في حلقة من هذا البرنامج وحديثنا فيها عن سبل ترسيخ التوكل على الله والإعتصام به في القلب، كونوا معنا أحبائنا.
أحبتنا الأطائب المستفاد من النصوص الشريفة أن التوكل على الله والإعتصام به عزوجل والرضا بقضائه وتفويض الأمر إليه تبارك وتعالى هي من أهم أدوات السير والسلوك إلى الله والتقرب منه عزوجل فهي التي تدفع عنه العقبات التي تصده عن منازل الكرامة عند المليك المقتدر جل جلاله. روي في كتاب الكافي مسندا عن أبي عبد الله – الإمام الصادق – عليه السلام قال "أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام ما اعتصم بي عبد من عبادي دون أحد من خلقي عرفت ذلك من نيته ثم تكيده السموات والأرض ومن فيهن إلا جعلت له المخرج من بينهن وما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي عرفت ذلك من نيته إلا قطعت أسباب السموات من يديه وأسخت الأرض من تحته ولم أبال بأي واد هلك".
أعزائنا المستمعين، إن الإعتصام بالله والتوكل عليه هو من المراتب السامية لتحقق المظهر العملي لتوحيد الله عزوجل وهو وسيلة تحقيق السالك إلى الله عزوجل لأمانيه وأماليه الخيرة، لا حظوا أحبائنا ما رواه ثقة الإسلام الشيخ الكليني في كتاب الكافي أيضا بسنده عن علي بن سويد عن أبي الحسن مولانا الإمام الرضا عليه السلام قال الراوي "سألته عن قول الله تعالى "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" فقال –عليه السلام–: التوكل على الله تعالى درجات منها أن تتوكل على الله في أمورك كلها فما فعل بك كنت عنه راضيا تعلم أنه لا يألوك خيرا وفضلا وتعلم أن الحكم في ذلك له فتوكل على الله بتفويض ذلك إليه وثق به فيها وفي غيرها".
ولكن كيف نقوي ونرسخ في قلوبنا – أيها الأحبة – التوكل على الله والإعتصام به والرضا بقضائه وتفويض الأمر إليه والثقة بحسن تدبيره لشؤوننا؟ هذا السؤال يجيبنا عنه علم عرفاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام في القرن الهجري التاسع، الشيخ الزاهد أحمد بن فهد الحلي في كتابه القيم عدة الداعي حيث يقول: (ينبغي لك مع تأخر الإجابة الرضا بقضاء الله تعالى وإن تحمل عدم الإجابة على الخيرة وإن الحاصل بك هو عين الصلاح لك فإنه غاية التفويض إلى الله تعالى وحق له عليك فإنه روي عن رسول الله (ص) أنه قال: لا تسخطوا نعم الله ولا تقترحوا على الله وإذا ابتلي أحدكم في رزقه ومعيشته فلا يحدثن شيئا يسئله لعل في ذلك حتفه ولكن ليقل: "اللهم بجاه محمد وآله الطيبين إن كان ما كرهته من أمري هذا خيرا إلي وأفضل في ديني فصبرني عليه وقوني على احتماله ونشطني بثقله، وإن كان خلاف ذلك خيرا لي فجد علي به ورضني بقضائك على كل حال فلك الحمد".
مستمعينا الأفاضل، ويتابع العارف الزاهد الشيخ أحمد بن فهد الحلي نصيحته بشأن تقوية الرضا بقضاء الله والتوكل عليه قائلا: (وفي هذا المعنى ما روي عن الصادق فيما أوحى الله إلى موسى بن عمران (ع): يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، وإني إنما ابتليته لما هو خير له وأعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عبدي فليصبر على بلائي وليشكر على نعمائي أثبته في الصديقين عندي إذا عمل برضائي وأطاع أمري. وعن أميرالمؤمنين (ع) قال: قال الله عزوجل من فوق عرشه: يا عبادي أطيعوني فيما أمرتكم به، ولا تعلموني بما يصلحكم فإني أعلم به ولا أبخل عليكم بمصالحكم. وعن النبي (ص): يا عباد الله أنتم كالمرضى ورب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى بما يعلمه الطبيب ويدبره لا فيما يشتهيه المريض الا فسلموا الله أمره تكونوا من الفائزين. وعن الصادق (ع) عجبت للمرء المسلم لا يقضي الله (له) بقضائه إلا كان خيرا له (و) إن قرض بالمقاريض كان خيرا له، وإن ملك مشارق الأرض ومغاربها كان خيرا له.
تقبل الله منكم مستمعينا الأفاضل جميل الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) استمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، إلى لقائنا المقبل نستودعكم الله ودمتم في رعايته سالمين.