بسم الله وله الحمد والشكر والثناء على عظيم آلائه وجميل النعماء، والصلاة والسلام على صفوته الرحماء سيد الأنبياء محمد وآله الحجج الأصفياء.
السلام عليكم مستمعينا الأعزاء.. يسرنا أن نلتقيكم على بركة الله في حلقة اليوم من هذا البرنامج، نتناول فيها أحد أركان الإيمان وأعمدة السير والسلوك إلى الله، وهو ركن الرضا بقضاء الله جل جلاله، تابعونا ولكم جزيل الشكر.
أيها الإخوة والأخوات، صرحت الأحاديث الشريفة بأن من بركات الرضا بقضاء الله الإعانة على التقرب من الله عزوجل وكونه وسيلة للفوز بمحبة الله جل جلاله لعبده الراضي بقضائه، جاء في كتاب شرح أصول الكافي للمولى الجليل الشيخ محمد صالح المازندراني قال: (روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنه قال: "نعم القرين الرضا بقضاء الله" وعن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: "أوحى الله إلى موسى صلوات الله عليه إنك لن تتقرب إلي بشيء أحب إلي من الرضا بقضائي" في الحديث القدسي "من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي ولم يشكر على نعمائي فليعبد ربا سواي").
هذه – مستمعينا الأفاضل – بعض آثار وبركات الرضا بقضاء الله عزوجل، فهو يعبر من جهة عن صدق الإيمان بالله ولطفه بعباده وأنه لا يريد إلا خيرهم وصلاحهم، كما أن الرضا بالقضاء الإلهي يمثل من جهة قرينا معينا للسالك في تقربه إلى ربه الجليل تبارك وتعالى.
أما معنى ومفهوم الرضا بقضاء الله، فيقول المولى المازندراني في شرحه القيم لأصول الكافي: (الرضا هو سكون القلب الى أحكام الله تعالى، وموافقة الضمير بما رضي واختار). وقيل: هو فرح القلب وسروره بنزول الأحكام في الحلو والمر. وقال ذو المفاخر صاحب العدة رحمه الله: سأل النبي (صلى الله عليه وآله) جبرئيل (عليه السلام) عن تفسير الرضا فقال "الراضي هو الذي لا يسخط على سيده أصاب من الدنيا أو لم يصب، ولا يرضى من نفسه باليسير".
إذن فالرضا بقضاء الله عزوجل – هو مستمعينا الأكارم – التعبير العملي عن ثقة العبد بلطف مولاه الجليل وحبه له الذي يجعل إرادته تابعة لإرادة مولاه الرؤوف الرحيم، قال شارح أصول الكافي المولى المازندراني في تتمة كلامه المتقدم: (اعلم أيها اللبيب أن الرضا من أعلى منازل المقربين وأقصى مراتب السالكين فإنه ثمرة المحبة وهي ثمرة الأنس بالله تعالى شأنه وهو ثمرة كمال معرفته وهو ثمرة دوام المجاهدة مع النفس الأمارة والتجرد لذكر الله ودوام الفكر فيه، وهو ثمرة الصبر على فعل الطاعات وترك المنهيات وتحمل المشاق والمكاره وهو ثمرة الخوف من الله تعالى والرجاء بثوابه وإكرامه وإنعامه. والخوف له تأثير في الأعضاء الباطنة فيمنعها عن الرذايل النفسانية مثل الكبر والحسد والحقد والعداوة والبخل وغيرها وفي الأعضاء الظاهرة فيكفها عن المنهيات ويقيدها بالطاعات ولعلو منزلة الرضا رفعه الله سبحانه فوق جنات عدن وجعله أكبر من نعمها فقال عز من قائل: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم) فهو فوق نعيم الجنات وغاية مطلب سكانها وإذا رضي العبد عن الله تعالى رضي الله عنه كما قال (رضي الله عنهم ورضوا عنه)).
رزقنا الله وإياكم أيها الإخوة والأخوات حسن التأسي بمولانا الإمام الرؤوف علي بن موسي الرضا وسائر أهل بيت النبوة – صلوات الله عليهم أجمعين – في جميل رضاهم بقضاء الله تبارك وتعالى وهو أرحم الراحمين.
نشكر لكم أعزائنا مستعمينا الأفاضل طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله)، كونوا معنا بإذن الله في الحلقة المقبلة من هذا البرنامج الذي يأتيكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران.
دمتم بألف خير وفي أمان الله.