بسم الله وله الحمد والمجد والفضل والإنعام، والصلاة والسلام على رحمته الكبرى للأنام، كنوز هدايته ومعادن حكمته محمد وآله الأوصياء.
السلام عليكم مستمعينا الكرام، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج وموضوعها هو العامل الأساس للفوز بصدق التوكل على الله وتفويض الأمر لجميل صنعه وهو تبارك وتعالى أرحم الراحمين، تابعونا مشكورين.
مستمعينا الأفاضل، تصرح النصوص الشريفة بأن الله عزوجل يحب المتوكلين المفوضين أمورهم له عزوجل ويكفيهم ويوصلهم الى ما يرجونه من قربه ومرضاته وبلوغ منازل الكرامة عند عزوجل.
أما العامل الأساس لوصول الإنسان الى كرامة التفويض والتوكل الحقيقيين فهو ترسيخ إيمانه النظري في القلب وتعميق الثقة بالله عزوجل وقدرته وكفايته في روحه، يقول العارف المتعبد السيد علي بن طاووس- رضوان الله عليه- في كتابه (فتح الأبواب):
لكن قد بقي أن الصدق في التوكل والتفويض هل يقع ويكون؟ لأنني أراه مقاما عزيزا شريفا، فإن ابن آدم كما قال الله تعالى: "وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً"(سورة النساء۲۸)، فتراه يفوض إلى وكيله وصديقه وسلطانه العادل وشيخه الفاضل، ويتوكل عليهم ويسكن إليهم، أقوى من تفويضه وتوكله وسكونه إلى ربه ومولاه، فكيف يكون مع ذلك مفوضا إلى الله أو متوكلا عليه وغير الله أقوى في توكله وتفويضه؟ أين هذا من مقام التفويض والتوكل على مالك دنياه وأخراه؟ روي عن مولانا زين العابدين صلوات الله عليه أنه قال لبعض من ضل في طريق:
"لو صدق توكلك ما ضللت".
مستمعينا الأفاضل، ثم ينقل العارف الإمامي الجليل السيد ابن طاووس الراوية التي وردت فيها كلمة الإمام السجاد- عليه السلام- لاشتمالها على بيان أثر صدق الإيمان في تحقق التفويض والتوكل، قال- رضوان الله عليه-:
عن حماد بن حبيب الكوفي قال: خرجنا حجاجا فرحلنا من زبالة – إسم أحد منازل الطريق الى مكة- ليلا، فاستقبلنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة، فتهت في تلك الصحاري والبراري، فانتهيت إلى وادٍ قفر، فلما أن جنني الليل أويت إلى شجرة عادية، فلما أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل، عليه أطمار بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي: هذا ولي من أولياء الله تعالى متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره، وأن أمنعه عن كثير مما يريد فعاله، فأخفيت نفسي ما استطعت، فدنا إلى الموضع، فتهيأ للصلاة، ثم وثب قائما هو يقول:
"يا من أحار كل شيء ملكوتا، وقهر كل شيء جبروتا، ألج قلبي فرح الاقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك ".
ولا يخفى عليكم مستمعينا الأفاضل، أن كلمات هذه المناجاة تشتمل على تنبيهاتٍ الى أن فرح الإقبال على الله عزوجل وبالتالي التوكل عليه هو ثمرة صدق الإيمان بحاكمية قدرته على جميع أجزاء الوجود، قال حماد بن حبيب الكوفي في تتمة روايته:
قال: ثم دخل في الصلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه، وسكنت حركاته، قمت إلى الموضع الذي تهيأ منه للصلاة، فإذا بعين تفيض بماء أبيض، فتهيأت للصلاة، ثم قمت خلفه، فإذا أنا بمحراب كأنه مثّل في ذلك الموقف، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها بأشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول: "يا من قصده الطالبون فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه متفضلا، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوّالا". فخفت أن يفوتني شخصه، وأن يخفى علي أثره، فتعلقت به، فقلت له: بالذي أسقط عنك ملال التعب، ومنحك شدة شوق لذيذ الرعب، إلا ألحقتني منك جناح رحمة، وكنف رقة، فإني ضال، وبعيني كلما صنعت، وبأذني كلما نطقت، فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالا، ولكن اتبعني واقف أثري، فلما أن صار تحت الشجرة أخذ بيدي، فتخيل إلى أن الأرض تمد من تحت قدمي، فلما انفجر عمود الصبح قال لي: " أبشر فهذه مكة "، قال: فسمعت الصيحة – أي أصوات الحجاج -، ورأيت المحجة، فقلت: بالذي ترجوه يوم الازفة ويوم الفاقة، من أنت؟ فقال لي: "أما إذا أقسمت علي فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم".
مستمعينا الأفاضل، وكما لاحظتم فإن الإمام علي بن الحسين السجاد سلام الله عليه بيّن في صلاته وأدعيته، التي سمعها هذا الحاج الكوفي ابرز معالم صدق الإيمان بالله وقدرته عزوجل وأظهر له بأفعاله مصاديق كفاية الله عزوجل لمن توكل عليه وإنقاذه من الضلال، وبذلك علّمه أن صدق الإيمان بالله هو مفتاح صدق التوكل عليه وتفويض الأمر إليه جل جلاله. رزقنا الله وإياكم ذلك.
اعزاءنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران وبهذا ينتهي لقاؤنا بكم أيها الأحبة ضمن لقاء اليوم من برنامجكم (الطريق الى الله)، شكراً لكم ودمتم بألف ألف خير.