موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا ذا الجود والإحسان، يا ذا الفضل والامتنان، يا ذا الأمن والأمان..."
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ(الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك عن مقطع جديد من ذلك، يبدأ بهذا النحو: (يا ذا الجود والاحسان، يا ذا الفضل والامتنان، يا ذا الامن والامان...).
ونبدأ بالقاء الاضاءة على العبارة الاولى، وهي: (يا ذا الجود والاحسان)...، فماذا نستخلص منها؟
بالنسبة الى عبارة: (يا ذا الجود والاحسان) نلاحظ مظهرين او اسمين من اسمائه او صفاته تعالى، هما (الجود) و (الاحسان)، فما هو المشترك والمتفاوت بينهما؟
المشترك هو: ان كلاً من الجود والاحسان يعني: التفضل من الله تعالى على عبده بعطاء ما، كل ما في الامر ان عطاءه تعالى يتفاوت من نمط الى آخر، وهو ما ينسحب في احد انماطه على ظاهرتي (الجود) و (الاحسان)، فما هو التفاوت بينهما ما دمنا نعرف ان كليهما هو عطاء منه تعالى؟
(الجود) هو: العطاء المقرون بالسؤال، اي: ان العبد يسأل الله تعالى بأن يُنجز له طلبه فيستجيب له بناء على طلبه، وهو بهذا يختلف عن المكرم وعن السخاء ونحوهما بانحاء حدثناك عنها في حينه، ونحدثك عنها ـ ان شاء الله تعالى ـ جديداً عندما نواجه امثلة ذلك لاحقاً.
اما الآن فحسبنا ان نشير الى احد انماط عطائه تعالى، وهو: اجابته تعالى لسؤال عبده، حيث يجود له بذلك. ولكن ما هو(الاحسان) وافتراقه عن (الجود)؟
(الاحسان) هو اعم من (الجود) بطبيعة الحال، لان الاحسان معناه: ان يقدم الله تعالى الى عبده معروفاً او خيراً ونحوهما، ونحن نعرف ان الخير او المعروف متعدد المصاديق يشمل (الجود) وسواه، فيكون بذلك اوسع دلالة من الجود، والسؤال الآن هو: ما هي النكتة الكامنة وراء التفرقة بين الجود و الاحسان؟
الجواب: ان مقطع الدعاء عندما ذكر اولاً مفردة (الجواد) جعلنا متهيئين لان ندرك احد مظاهر رحمته تعالى، وهو: انه (يجود) على عبده بما يطلبه، حيث يتداعى بذهنه الى (الرزق) ونحوه مثلاً، ولكن حينما يردف ذلك بعبارة (الاحسان)، يتصاعد قارئ الدعاء بذهنه الى دلالات اوسع هي: انه تعالى (يحسن) الى عبده ليس في نطاق (الرزق) مثلاً وحده، بل الى مطلق الخير، سواء اكان ذلك امراً مادياً او معنوياً.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا ذا الفضل والامتنان)، فماذا نستخلص منها، اي من مفردة (الفضل) ومفردة (الامتنان)؟
الجواب: (الفضل) هو ما يتفضل به الله تعالى على عبده بما هو زائد عن الحاجة كما لو تفضل تعالى على عبده بما لم يطلبه مثلاً واما (الامتنان) فهو: الانعام على العبد بما هو ابعد مما يتوقعه العبد، وهذا يعني ان (الفضل) و (الامتنان) يشتركان في معنى هو: العطاء بأكثر من الطلب ولكنهما يتفاوتان من حيث النمط الذي يتم الانعام من خلاله، فالفضل هو: الانعام بما هو زائد، بينما الامتنان منصب على ما يذكره تعالى لعبده من الانعامات الكثيرة نظير ما نلاحظه مثلاً من اشارته تعالى الى اننا لو نعدّ نعم الله تعالى لا نقدر على احصائها تبعاً لقوله تعالى: «وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا».
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا ذا الامن والامان)، وهي عبارة تتضمن مفردتين يُخيل لقارئ الدعاء بانهما مترافدتان ولكننا نرفض القناعة بما هو مترادف من الالفاظ، لان العبارة الصادرة من المعصوم يمتنع ان تكون متسمة بما هو غير بليغ، ولذلك نقول: ان (الامن) يختلف عن (الامان)، مع انهما مشتركتان في الدلالة العامة.