بسم الله والحمد لله غاية آمال العارفين وكافي المتوكلين، وأزكى صلواته على حصنه الحصين وصراطه المستقيم محمد وآله الطيبين الطاهرين سلام من الله عليكم أعزاءنا المستمعين.
بتوفيق الله نلتقيكم في حلقةٍ جديدة من هذا البرنامج نخصصها للحديث عن آثار تفويض السالك أمره لله عزوجل، كونوا معنا على بركة الله.
أكدت النصوص الشريفة قرآنا وسنة أن (التفويض) هو من أركان الإيمان الصادق بالله عزوجل ووسيلة تحقيق المؤمن لآماله الفطريه في الحصول على الحكمة ومعرفة الله والتقرب منه عزوجل وبلوغ مراتب الكمال، روى ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسنده عن أبي جعفر الإمام الباقر (عليه السلام) قال: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض أسفاره إذ لقيه ركب، فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال: - عليكم السلام ورحمة الله- ما أنتم؟ فقالوا: نحن مؤمنون يا رسول الله، قال فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا:
الرضا بقضاء الله والتفويض إلى الله والتسليم لأمر الله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فان كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون ولا تجمعوا ما لا تأكلون واتقوا الله الذي إليه ترجعون".
وتلاحظون في نهاية الحديث الشريف مستمعينا الأفاضل، إشارة الحبيب المصطفى- صلى الله عليه وآله- الى علامات صدق الرضا بقضاء الله والتفويض إليه عزوجل والتسليم لأمره جلت حكمته، وهي ان على الراضي بقضاء الله والمفوض إليه والمسلم لأمره يكون توجهه الى الله عزوجل فلا يأخذ من متاع الدنيا إلا ما يحتاجه لاستمرار حياته فيها.
عن آثار التفويض الى الله فقد جاء في كتاب مصباح الشريعة:
قال الصادق (عليه السلام) المفوض امره إلى الله في راحة الأبد والعيش الدائم الرغد، والمفوض حقا هو العالي عن كل همة دون الله تعالى كما قال أميرالمؤمنين (عليه السلام): "رضيت بما قسم الله لي وفوضت امري إلى خالقي، كما أحسن الله فيما مضى كذلك يحسن فيما بقي. وقال الله عزوجل في مؤمن آل فرعون "وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ{٤٤} فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ{٤٥}""(سورة غافر).
أيها الاخوة والأخوات، ثم يبين الصادق- عليه السلام- وبلغة لطيفة تستند الى كلمات منتزعة من حروف مفردة (تفويض) نفسها، شروط تحقق التفويض، قال عليه السلام في تتمة حديثه في كتاب مصباح الشريعة:
(التفويض خمسة أحرف: لكل حرف منها حكم، فمن أتى بأحكامه فقد أتى به، التاء- من (تركه) التدبير في الدنيا، والفاء – من (فناء) كل همة غير الله. والواو- من وفاء العهد وتصديق الوعد. والياء – اليأس من نفسك واليقين بربك. والضاد- من الضمير الصافي لله والضرورة اليه. والمفوض لا يصبح الا سالما من جميع الآفات، ولا يمسى الا معافا بدينه (في بدنه).
مستمعينا الأفاضل، إن تحقق الثمار المطلوبة من تفويض السالك أمره الى الله عزوجل يحتاج الى عوامل أساسية يذكرها العارف المتعبد السيد علي بن طاووس في كتابه (فتح الأبواب) حيث يقول – رضوان الله عليه-:
(لكن التفويض والتوكل يحتاج إلى صدق فيهما وقوة اليقين، وأن يكون المفوض والمتوكل واثقا بالله جل جلاله وثوقا أرجح من مشاهدة العين لما تراه، وأنه لا يكره ولا يضطرب عند اختيار الله جل جلاله في شيء من الاصدار والايراد، فإنه إذا بلغ إلى هذه الغايات، تولى الله جل جلاله تدبيره في الحركات والسكنات والاستخارات، كما قال الله تعالى: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"وقال جل جلاله: "إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"(سورة النحل۹۹)وغير ذلك من الآيات في مدح المفوضين والمتوكلين).
وتنبع أهمية هذا القول من أن صاحبه قد تحلى بكرامة التفويض لله عزوجل كما يشير لذلك قوله رضوان الله عليه في كتابه (فرج المهموم) حيث قال:
(ولو لا وجوب التفويض إلى مالك الأشياء لأحببت سؤاله عزوجل في تعجيل مفارقة دار الفناء، خوفا من الشواغل عما يريده جل جلاله من عمارة دار البقاء ومن شرف حبه وتحف قربه وطلب رضاه ولكني فوضت لما يختاره جل جلاله ويراه، وحسب المحب ان يسلم زمام مطلوبه إلى محبوبه).
نسأل الله تبارك وتعالى لنا ولكم – أحبتنا – توفيق حسن تفويضنا أمورنا إليه وجميل التوكل عليه ببركة التمسك بولاية ووصايا صفوته من العالمين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم أمين، نشكر لكم اعزاءنا جميل الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق الى الله) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعاية الله.