موضوع البرنامج:
شرح فقرة: "يا جامع، يا شافع، يا واسع، يا موسع..."
نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: الدعاء الموسوم بـ (الجوشن الكبير) وقد حدثناك عن جملة مقاطع منه، وانتهينا الى احد مقاطعه القائل (اللهم إني أسألك بأسمك يا مانع...) إلى أن يقول: (يا جامع يا شافع يا واسع يا موسّع)، هذه السمات او الصفات او الاسماء الاخيرة هي موضوع حديثنا الآن.
ونبدأ بإلقاء الضوء على الاول منها وهو: (يا جامع)، فماذا نستلهم من الاسم المذكور؟
أنّ عبارة: (يا جامع) تظل واحدة من العبارات المرشحة بجملة دلالات ويمكننا مثلاً أن نستخلص منها أنه تعالى جامع لكلّ ما هو محقق لعملية الجمع بعد أن يكون متفرقاً، فمثلاً ورد في الادعية مصطلح (يا جامع كل شمل) او الدلالة الذاهبة الى أنه تعالى جامع القلوب على الألفة وسواها وهكذا وهذا امر له دلالته المتمثلة بأن الله تعالى هو المؤلف لشتات الآراء وهو ما نطق به اكثر من نص ومنه: النص القرآني الكريم المخاطب نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بأن الله تعالى هو المؤلف لهؤلاء القوم وأنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لو أنفق مافي الارض لما استطاع - لولا الله تعالى - أن يؤلف بينهم.
إذن (يا جامع) يشير الاسم أو الصفة الى تأليفه تعالى لكل شتات في مختلف الميادين.
بعد ذلك نواجه عبارة: (يا شافع) وهذه الكلمة او الصفة او الاسم تتميز بوضوح دلالتها، حيث أن الشفاعة هي السعي بطرف آخر من اجل الانجاز لحاجته مثلاً، وهو مصطلح ينسحب على مطلق السعي ومنه: ما يرتبط برحمته تعالى من حيث شفاعته لعباده، فكما أن عباده مثلاً يشفعون لبعضهم الآخر في دنياهم وأخراهم (ومنه: شفاعة المعصومين (عليهم السّلام) لشيعتهم في اليوم الآخر عند الله تعالى، كذلك فإنه تعالى يشفع لعباده بعضهم حيال الآخر، كما لو طلب تعالى مثلاً من بعض عباده المظلومين من قبل بعضهم الآخر، أن يتنازل عن حقه قبالة تنازله تعالى عن حقه حيال البعض المذكور.
والنكتة الكامنة وراء الشفاعة عند الله تعالى هي: امتداد لسعة رحمته التي تتدخل في إرضاء عباده: بعضهم مع الآخر وهي رحمة تتناسب مع ما بينها من الصفة القائلة (يا واسع) والصفة القائلة (يا موسع) حيث تعنيان الرحمة بأوسع دلالاتها وهو ما نحدثك عنه الآن.
إن العبارة التي ينتهي بها احد مقاطع دعاء (الجوشن) ونعني بها (يا واسع يا موسع) تتطلب منا ان نفصّل الحديث عنها بعض التفصيل فنقول:
لا نحتاج الى كبير تأمل حتى ندرك بأنّ عبارة: (يا واسع) تتداعى باذهاننا الى سعة (رحمة) الله تعالى قبل اية صفة اخرى لأن (السعة) في عظمة الله تعالى لا حدود لها كما هو واضح سواء اكانت متصلة بميادين ابداعه تعالى او ميادين الرحمة غير المحدودة.
لذلك فان سعة (رحمته) كما كررنا هي التي تتداعى بالذهن الى ملاحظتها بخاصة أن عبارات ومصطلحات متكررة في كثير من النصوص مثل: (يا واسع المغفرة او الرحمة) تدلنا على تداعي الاذهان الى السعة من الرحمة: كما هو بيّن. وهذا فيما يتصل بعبارة: (يا واسع)، ولكن ماذا بالنسبة الى عبارة (يا موسّع)؟
من البيّن ايضاً، (أن الله تعالى مادام "واسعاً " من الرحمة)، فإنه (يوسعها) بحسب سياقاتها التي تتصل بهذا الموقف او ذاك، إنه تعالى يوسع مزيداً من رحمته مثلاً لمن يطيعه اكثر ويوسع احسانه الى درجة أن جزاء الاحسان في العبادة لا يقف عند حدّ الاحسان في العبادة لقوله تعالى: «هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ» فحسب، بل يتمدّ الى القول مثلاً بأنّ العبد اذا ما يخطو واحدة فإنه تعالى يتجه إليه عشراً وهكذا.
إذن تتسع رحمته وتمتد الى ما لا حدود لها كما أوضحنا والمهم هو أن نحمده تعالى على هذه الرحمة وأن نمارس مبادئ الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.